نام کتاب : موسوعة طبقات الفقهاء ( المقدمة ) نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 259
وعلى هذا فلا يشترط في المعدول عنه كونه قياساً ، كما لا يشترط في المعدول إليه كونه مثله بل يتلخص الاستحسان في العدول عن مضمون دليل إلى دليل آخر أقوى منه سواء أكان المعدول عنه قياساً أم لا أو أكان المعدول إليه قياساً أقوى أم لا . ولنذكر مثالين : أ . انّ مقتضى قوله سبحانه : ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) [1] هو قطع يد السارق دون فرق بين عام الرخاء والمجاعة ، ولكن نقل عن عمر عدم العمل به في عام المجاعة . ب . يقول سبحانه : ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَولادَهُنَّ حَولَينِ كامِلين لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرضاعَة ) [2] وقد نقل عن الإمام مالك إخراج الأُم الرفيعة المنزلة التي ليست من شأن مثلها أن ترضع ولدها ، وعلى هذا ينطبق تعريف الجرجاني : الاستحسان ترك القياس والأخذ بما هو أرفق للناس . [3] أقول : لا وجه للعدول عن إطلاق الآية الشامل لعام المجاعة والأُم الرفيعة المنزلة وغيرهما إلاّ بدليل ، ويمكن أن يكون الدليل انصراف الآية عن الصورتين ، والانصراف يحدّد دلالة الدليل ويُتّبع الدليل في غير مورد الانصراف . ولكن الذي يؤاخذ على هذا الاستعمال هو انّ تسمية الانصراف وأشباهه ممّا يوجب العدول عن الدليل الأوّل بالاستحسان أمر غير صحيح . وبعبارة أُخرى : إذا كان هنا دليل على العدول ، وكان المورد يتمتع برصيد خاص ، فما هو الوجه لاستعمال كلمة الاستحسان المريب ، إذ من الواضح انّ استحسان شخص واستقباحه ما لم يعتمد على دليل ، لا يعدّان من مصادر التشريع ؟