الأخباريون ، وخلطوا بينه وبين إعمال العقل في استنباط الأحكام ، فضلا عن كونه إعمالا للرأي من قياس أو استحسان . فإنّ الفنيّة والدقة في فهم الأدلّة الشرعية وتعريفها وتنويعها ، وتشخيص العلاقة فيما بينها ولوازمها وآثارها ، والتدقيق في تطبيقاتها منهج علمي متّبع في علم الفقه أيضاً ، ومن دونه لا تكون عملية الاستنباط واكتشاف الحكم من الكتاب والسنة سليمة ولا دقيقة ، بل يكون الاستنباط سطحياً وفي معرض الأخطاء والأخطار ، وهذا المنهج هو الذي أمرنا به الشرع المقدّس في جملة من الروايات والتعليمات الصادرة عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ؛ حيث حرّضت على التدقيق والتعمق في فهم النصوص ودلالاتها ، وتفريع الفروع والتشقيقات وردّها إلى أُصولها وقواعدها العامّة ، وهذا هو الذي يقع بشكل فنّي وعلمي دقيق في المناهج الأُصولية والفقهية . 2 - تطوّر صناعة الاستدلال الفقهي من حيث المضمون ومنهج الفقاهة والاستدلال ، فمن ناحية اتسعت آفاق البحث في كل مسألة فشملت أدق التفريعات والشقوق والتقادير المتصورة فيها ، كما شملت جميع الأقوال والوجوه التي قيلت أو يمكن أن تقال في المسألة ، فتنامت البحوث الفقهية وازداد حجمها وحجم الاستدلالات فيها خلال حركة الاجتهاد المفتوح بابها عبر مئات السنين إلى عصرنا الحاضر . ومن ناحية أُخرى : امتازت عملية الفقاهة في هذا الدور بالاستفادة من المنهج الأُصولي وما أُنجز فيه من تطوّر وعمق ، فانعكس ذلك على صعيد الفقه ، فأضفى على بحوثه المتانة والمنهجية والتجديد . وأصبح لكل قسم من أقسام الفقه منهجه المتميز والخاص به ، فمنهج الاستدلال والبحث في فقه العبادات يختلف عن منهج فقه المعاملات من حيث نوع الأدلّة المتوفرة في كل منهما ، ففي العبادات تتوفر النصوص والروايات الخاصة ، بخلاف العقود والايقاعات حيث يستند فيها غالباً إلى العمومات والقواعد الثابتة بها أو بسيرة العقلاء . كما أنّ طبيعة المناقشات والاستدلالات في فقه العبادات تختلف عنها في المعاملات ، وكذلك القواعد والأحكام العامّة التي يرجع إليها في العبادات تختلف عنها في العقود والايقاعات إلى غير ذلك من الجهات التي أصبحت اليوم متمايزة ومتّبعة في مناهج الاستدلال في الأبواب الفقهية الرئيسة مما لم تكن بهذا الوضوح والتمايز والمنهجية في أي عصر مضى رغم الجهود الجبارة والفتوحات العلمية الكبيرة التي قام بها فقهاؤنا المتقدمون في تطوير علوم الشريعة .