وقد جمعت عمدة تلك الأُصول والكتب في المجاميع الحديثية الأربع : الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار ، وقد ضمّت هذه الأُصول الحديثية كمّاً هائلا من أحاديث الأحكام الصادرة كلّها عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو أحد الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) . وهذا من امتيازات فقه أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فأحاديث الكافي وحدها تبلغ ( 16199 ) حديثاً ، والتهذيب ( 13590 ) حديثاً ، ومن لا يحضره الفقيه ( 5963 ) حديثاً ، والاستبصار ( 5511 ) حديثاً . وجاء بعد ذلك في القرن العاشر الشيخ الحرّ العاملي ( قدس سره ) [ ت = 1104 ه ] فجمع ما في الكتب الأربعة وغيرها مما حصل عليه من الكتب والأُصول في موسوعته الحديثية الرائعة وسائل الشيعة فبلغت أحاديثها ( 35850 ) حديثاً . واستدرك عليه بعد ذلك الميرزا النوري [ ت = 1320 ه ] ما عثر عليه في مصنفات حديثية أُخرى من الأحاديث المتعلقة بالأحكام في كتابه مستدرك وسائل الشيعة فبلغت رواياته زهاء ( 23000 ) حديثاً ، وهذا يعني أنّ مجموع ما في هاتين الموسوعتين من الروايات تبلغ قرابة ستين ألف حديثاً كلّها في الأحكام الفقهية الفرعية ، وهذا ما لا نظير له في أي مذهب آخر . وقد انتهى هذا العصر - عصر صدور البيان الشرعي - والذي كان يمكن فيه الاتّصال بالمعصوم ( عليه السلام ) وأخذ العلم والحديث منه مباشرة أو بصورة غير مباشرة وعن طريق أحد السفراء والوكلاء للإمام سنة 329 ه ليبدأ بعده العصر الفقهي الثاني ، عصر الفقه الاجتهادي . ومن المناسب أن نشير إلى أنّ للفقاهة في عصرها الأوّل - عصر الصدور - امتيازات وخصائص شرعية تختلف عن الفقاهة في عصرها الثاني ، نشير فيما يلي إلى أهمها : 1 - ثبوت الإمامة العظمى والولاية الكبرى للنبي والأئمة ( عليهم السلام ) من بعده وحضورهم في هذا العصر ، فيجب على الناس جميعاً إطاعتهم والرجوع إليهم في جميع الأُمور والعمل بما يقولون ؛ عملا بالآية الكريمة : * ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم ) * ( 1 ) .