وأكثر هؤلاء الرواة قد تخرّجوا على يد الإمامين الصادقين ( عليهما السلام ) ، فكانت منهم تلك الأجيال المتعاقبة من رسل فكر أهل البيت ، وكان منهم هذا الكمّ الوفير من التراث الاسلامي الشيعي الذي يعدّ - بحق - الأساس القوي في رسوخه والسخيّ في عطائه ، حتى اشتهر أنّ عدد من روى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) من مشهوري أهل العلم بلغ أربعة آلاف شخص وإنّه صنّف من جواباته في المسائل أربعمئة كتاب تسمّى الأُصول ، رواها أصحابه وأصحاب أبيه من قبله وأصحاب ابنه موسى الكاظم ( عليه السلام ) [ ت = 159 ه ] ، ولم يبق فنّ من فنون العلم إلاّ روي عنه ( عليه السلام ) فيه أبواب [1] . وقد ألّف أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد المعروف بابن عقدة [ ت = 333 ه ] كتاباً بأسماء الرجال الذين رووا عن الصادق ( عليه السلام ) وعدّ أربعة آلاف رجل ، وأخرج فيه لكلّ رجل الحديث الذي رواه [2] . وسبب هذا ما أشرنا إليه من الانفراج الذي حصل في زمان هذين الإمامين من قبل الحكّام بالنسبة إلى مدرسة أهل البيت وشيعتهم والذي عاد في عهد الأئمة بعدهما - وخصوصاً في زمن الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) - إلى التضييق عليهم واضطهادهم حتى أُودع الإمام المظلوم السجن وقتل على يد سندي بن شاهك بالسم ، إلاّ أنّ المدرسة الفقهية والفكرية لأهل البيت ( عليهم السلام ) كانت قد اكتملت وتمّ بناؤها في عهد الصادقين ( عليهما السلام ) . ولم تكن تلك الضغوط والجنايات تجدي غير المزيد من رسوخ المدرسة ومحبوبيتها واتساع رقعة انتشارها وازدياد عدد أفرادها ونشاطها ممّا سبّب المزيد من قلق الحكّام وخوفهم ، فقاموا بسياسة جلب الأئمة من المدينة إلى دار الخلافة ووضعهم تحت الرقابة المشدّدة العلنية أو السرية ، وقد أوجب ذلك تحديد نشاط الأئمة وصعوبة ارتباط شيعتهم بهم رغم انتشارهم وكثرتهم ، وهذا أحد الأسباب لما يلاحظ من قلّة صدور الروايات وقلّة الرواة عن الأئمة في هذه المرحلة بالنسبة لعهد الإمامين الصادقين ( عليهما السلام ) .
[1] إعلام الورى بأعلام الهدى 2 : 199 . [2] انظر : خلاصة الأقوال في معرفة الرجال : 321 - 322 .