يسأله ، وكان أبو جعفر ( عليه السلام ) له مكرماً ، فاختلفا في شيء فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « يا بنيّ ! قم فأخرج كتاب عليّ . فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً ففتحه وجعل ينظر حتى أخرج المسألة . فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « هذا خطّ علي وإملاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . واقبل على الحكم وقال : يا أبا محمد ، اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالا ، فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل ( عليه السلام ) » [1] . ثمّ إنّ ما أوردناه لم يكن من باب حصر مصادر علوم أئمة أهل البيت بها ، بل مصداقاً لقاعدة إثبات الشيء لا ينفي ما عداه . فقد ورد في الروايات أنّ علمهم أوسع من ذلك بكثير ، فراجع [2] .
[1] رجال النجاشي : 360 ، الترجمة : 966 . [2] من قبيل ما يلي : 1 ً - عن الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) انّه قال : « مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأمّا الماضي فمفسّر ، وأمّا الغابر فمزبور ، وأمّا الحادث فقذف في القلوب ، ونقر في الأسماع ، وهو أفضل علمنا ولا نبيّ بعد نبيّنا » . ( الكافي 1 : 264 ، ح 1 . مرآة العقول 3 : 136 ، ح 1 ) . شرح الحديث : وملخص ما ذكره المجلسي ( رحمه الله ) في مرآة العقول في قوله : « مبلغ علمنا » أي غايته وكماله ، أو محلّ بلوغه ومنشؤه . « ماض » ما تعلّق بالأُمور الماضية . « غابر » ما تعلّق بالأُمور الآتية . والغابر : الباقي والماضي ، وهو من الأضداد . « فأمّا الماضي فمفسّر » أي فسّره لنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . « وأمّا الغابر » أي العلوم المتعلّقة بالأُمور الآتية المحتومة « فمزبور » أي مكتوب لنا في الجامعة ومصحف فاطمة وغيرها ، والشرائع والأحكام داخل فيها أو في أحدهما . « وأمّا الحادث » وهو ما يتجدّد من الله حتمه من الأمور أو العلوم والمعارف الربانية أو تفصيل المجملات « فقذف في القلوب » بالالهام من الله تعالى بلا توسّط ملك . « ونقر في الاسماع » بتحديث الملك إيّاهم . وكونه من أفضل علومهم ؛ لاختصاصه بهم ولحصوله بلا واسطة بشر أو لعدم اختصاص العلمين الأوّلين بهم ، إذ قد اطّلع على بعضهما بعض خواصّ الصحابة مثل سلمان وأبي ذر بإخبار النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد رآى بعض أصحابهم ( عليهم السلام ) مواضع من تلك الكتب . ولمّا كان هذا القول منه ( عليه السلام ) يوهم ادعاء النبوّة ؛ فانَّ الاخبار عن الملك عند الناس مخصوص بالأنبياء ، نفى ( عليه السلام ) ذلك الوهم بقوله : « ولا نبيّ بعد نبينا » ؛ وذلك لأنّ الفرق بين النبيّ والمحدّث إنّما هو برؤية الملك عند إلقاء الحكم للنبيّ وعدمها بالإسماع من الملك للمحدّث . ( مرآة العقول 3 : 136 ) . 2 ً - وعن الإمام محمّد الباقر ( عليه السلام ) قال : « إنّ أوصياء محمّد عليه وعليهم السلام محدّثون » ( الكافي 1 : 270 ، ح 1 . البحار 26 : 72 ، ح 18 ) . 3 ً - وعن أبي الحسن موسى ، قال : « الأئمة علماء صادقون مفهّمون محدّثون » ( الكافي 1 : 271 ، ح 3 ) 4 ً - وعن محمّد بن مسلم ، قال : ذكر المحدّث عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال : « انّه يسمع الصوت ولا يرى الشخص » فقلت له : جعلت فداك ، كيف يعلم انّه كلام الملك ؟ قال : « انّه يعطي السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه كلام ملك » . ( الكافي 1 : 271 ، ح 4 ) . ولا ينبغي الاستيحاش من هذه الروايات ، فإنّنا نجد في كتب الحديث بمدرسة الخلفاء أحاديث تثبت نظير هذه الصفات لبعض الخلفاء مثل ما روت امّ المؤمنين عائشة في حق عمر بن الخطاب ، قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « قد كان يكون في الأُمم قبلكم محدّثون ، فإن يكن في أُمّتي منهم أحد فانّ عمر بن الخطّاب منهم » . ( صحيح مسلم 4 : 1864 ، ح 2398 ، وفيه : « قال ابن وهب : تفسير محدّثون ملهمون » . وانظر : مسند أحمد 7 : 83 ، ح 23764 ) ، وفيه « قال ابن وهب : تفسير محدّثون : ملهمون » ) . وروى البخاري عن أبي هريرة أيضاً نظير هذا الحديث . ( صحيح البخاري 3 : 1279 ، ح 3282 . مسند الطيالسي : 308 ، ح 2348 ) . ومهما ورد في مصادر مدرسة الخلفاء فإنّه لم يرد فيها أنّ أحدهم ورث عن رسول الله كتاباً مثل ما ورد ذلك في حق أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) بكلّ وضوح وتفصيل ، وقد أوضحنا فيما سبق كيفية تداول أئمّة أهل البيت كتب العلم التي ورثوها عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .