موقف أهل البيت ( عليهم السلام ) من اجتهاد الرأي : وقد اتخذ فقه أهل البيت ( عليه السلام ) من الاجتهاد بالمعنى الأوّل - اجتهاد الرأي - موقفاً حاسماً منذ البداية . فهو من ناحية أكّد على أنّ الرأي والترجيح الشخصي لا مجال لإعماله في التشريعات الإلهية وأنّ المصالح والمفاسد وملاكات الأحكام لا يمكن إدراكها بالعقول البشرية ، بل لابدّ من أخذها وتشخيصها من قبل الشارع المقدّس . وقد ورد بهذا الصدد أحاديث مستفيضة عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) نقلا عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تحرّم الرجوع إلى الرأي سواء في الأحكام أو في تفسير القرآن ، وأن من فعل ذلك فليتبوأ مقعده من النار [1] ، وأنّ دين الله لا يُصاب بالعقول [2] ، وأنّ السنّة إذا قيست محق الدين [3] . ومن ناحية ثانية شدّد النكير على من يتهم الشريعة بالنقص أو يرى التصويب في آراء القضاة والمفتين ؛ لأنّ الشريعة مكتملة وتامّة بصريح قوله تعالى : * ( اليوم أكملت لكم دينكم . . . ) * [4] ، وأنّ البيان الشرعي المتمثل في الكتاب والسنة واف بكل ما يحتاجه الانسان في حياته على مدى العصور وقد دلّت على ذلك الآيات والروايات الكثيرة كقوله تعالى : * ( ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء ) * [5] وقوله : * ( ما فرّطنا في الكتاب من شيء ) * [6] ، وقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " إنّ الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى والله ما ترك شيئاً يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد أن يقول : لو كان هذا أُنزل في القرآن ، إلاّ وقد أنزله الله فيه " [7] .
[1] من لا يحضره الفقيه 4 : 364 . عيون أخبار الرضا 1 : 212 . [2] المستدرك 17 : 262 ، ب 6 من صفات القاضي ، ح 25 . [3] الوسائل 29 : 352 ، ب 44 من ديات الأعضاء ، ح 1 . [4] المائدة : 3 . [5] النحل : 89 . [6] الانعام : 38 . [7] الفصول المهمة في أُصول الأئمة 1 : 482 ، ح 676 .