نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 296
الناس بموت المجتهدين ولم يعهد إلى الآن من أهالي أعصار الأئمة العدول إلى تقليد الحي بعد موت المجتهد وفيه من المنع ما ترى لأن الناس في زمن الأئمة كانوا بين أصناف ثلاثة فمنهم من كان يأخذ معالم دينه من الإمام بلا واسطة ومنهم من كان يأخذ بروايات الموثقين من أصحابهم وبفتاويهم التي هي بمنزلة الرواية ويجتهد فيها ومنهم من كان يأخذ منهم الفتوى ويعمل بها تعبّدا ونحن ندعي أن أغلب الناس لو لم يكن كلهم كانوا بين القسمين الأولين وإن كان الثاني منهما أغلب لسهولة الاجتهاد في ذلك الزمان وإمكان تحصيل العلم أو الظن المعتمد وأيّ دليل دل على أن الفرقة الثالثة قد استمروا على تقليد مجتهديهم بعد موتهم وعلمه الإمام ولم يردعهم مضافا إلى أن تقليد هؤلاء أيضا ربما يفارق تقليد عوامنا لعلمائنا من حيث إن ذلك التقليد كان أخذا من الواسطة فلا يقاس به الأخذ ممن يفتي بظنونه الاجتهادية من دون الاستناد إلى السماع عن الإمام لأن الأخذ ممن سمع عن الإمام عليه السلام أو ممن سمع عن المجتهد من عدول زماننا ليس من التقليد له في شيء كما أوضحناه فيما تقدم ومنها لزوم العسر والحرج الشديدين لو ألزم على المقلد بالعدول فإن تعلم المسائل أمر صعب وموت المجتهد أمر ذائع فلو وجب العدول عن التقليد بموت المجتهد لزم العسر الواضح والحرج البين المنفيان في الشريعة وجوابه المنع لأن وجوب الرجوع مخصوص بموارد الخلاف وهي ليست بمثابة توجب العسر والحرج وأمّا الاطلاع على الخلاف والوفاق فربما يمكن تحصيله في يوم أو يومين بمطالعة الرسالة أو السؤال ونحوهما وأيّ فرق بينه وبين من أراد التقليد في ابتداء بلوغه مع أنّ ابتداء التقليد فيه من الصعوبة ما ليس في العدول فلو كان في العدول حرج مسقط للتكليف لكان في ابتداء التقليد أشد وأولى نعم لو ألزمنا عليه نقض الآثار السابقة الواقعة على حسب فتوى الأول التي تخالفها فتوى الثاني وتجديد الأعمال قضاء أو عادة كما هو الحقّ عندنا على ما سبق بيانه في مسألة الإجزاء فإن اقتضى العدول العسر والحرج سقط التكليف به بالنسبة إلى خصوص نقض الآثار وأما البقاء على التقليد في تلك المسألة في مستقبل الزمان فلا لأن العسر الثابت في نقض الآثار لا يقتضي سقوط التكليف بالعدول بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة ومن هنا يظهر أن الاستدلال بلزوم العسر والحرج بناء على وجوب نقض الآثار على تقدير العدول على جواز البقاء على التقليد ليس في محله وأما ما يقال من أن عسر العدول ليس لما فيه نفسه بل في تكراره مقدار تكرار موت المجتهد لإمكان موت المجتهد الثاني الذي اختاره في التقليد أيضا ثم الثالث ثم الرابع إلى ما شاء اللَّه وأنه الفارق بينه وبين الشروع في التقليد ابتداء ففيه أولا أن العدول لكونه أمرا هيّنا يمكن الالتزام به في كل سنة مرة أو مرتين من غير أن يكون فيه حرج فكيف عن الالتزام به في تمام العمر كذلك وثانيا أن العسر حينئذ يدور مدار شيء لا يعلمه إلا اللَّه أعني موت المجتهد فليس للمقلد ترك العدول الذي فيه مقتضى الوجوب لاحتمال أدائه إلى الحرج بسبب احتمال موت مجتهده الثاني والثالث ثم اعلم أن القائلين بالبقاء اختلفوا في وجوبه وجوازه وأكثرهم على الأول والتحقيق على تقدير عدم وجوب العدول هو الثاني لأن عدم جواز العدول عن تقليد مجتهد إلى آخر لا دليل عليه معتدا به سوى الإجماع وقاعدة الاحتياط التي مرجعها إلى الأخذ بالمتيقن فيما خرج عن تحت أصالة حرمة التقليد وشيء منهما لا يجيء في المقام أما الإجماع فظاهر لأن الإجماع قد عرفت على وجوب العدول هنا وأما الاحتياط فلدوران الأمر بين المحذورين وجوب البقاء ووجوب العدول ولو تمسك باستصحاب الوجوب حينئذ ففيه ما عرفت في نظائره غير مرة واستدل صاحب المفاتيح على الجواز بالاستصحاب ثم أورد على نفسه بأن هذا الجواز كان في ضمن الوجوب فإذا ارتفع الفصل ارتفع الجنس ثم أجاب عنه بأن الجواز حكم وضعي عبارة عن صحة التقليد بمعنى كونه مجزيا عن اشتغال الذمة والوجوب حكم تكليفي ولا يلزم من انتفاء أحدهما انتفاء الآخر ثمّ أورد عليه أيضا بأن الحكم الوضعي هنا إنما استفيد من الحكم التكليفي فلا يتفاوتان ثم أجاب عنه أولا بالمنع قائلًا بأن مجرد الشك يكفينا في التمسك بالاستصحاب وثانيا بأن التبعية إنما هي في ابتداء التقليد ونمنعه في التقليد الاستمراري وأنت إذا تأملت في أطراف هذا الكلام تجدها مواضع للنظر الثاني الظاهر أن سائر شروط الإفتاء من الإيمان والإسلام والعدالة والعقل والعلم مثل الحياة في كونها شرطا في الابتداء والاستدامة وبه نص المحقق الثاني في محكي حاشية الشرائع قال ومتى عرض للفقيه العدل فسق العياذ باللَّه أو جنون أو طعن في السن كثيرا بحيث اختل فهمه امتنع تقليده لوجود المانع ولو كان قد قلده مقلد قبل ذلك بطل حكم تقليده لأن العمل بقوله في مستقبل الزمان يقتضي الاستناد إليه حينئذ وقد خرج عن الأهلية لذلك فكان تقليده باطلا بالنسبة إلى مستقبل الزمان انتهى واستظهر صاحب الفصول جواز التقليد بقاء في الجنون الإطباقي ومطلقا في الأدواري واستشكل في صورة اختلال الفهم وهو بعيد عن الصواب لأن قضية الأصل عند الشك في الطريقية والحجية هو الاشتراط ولا معارض لهذا الأصل مما يدل على عدم اشتراطها في البقاء سوى ما قد تخيل من عدم صدق التقليد على الاستدامة وعدم كون القول قول غير مجتهد أو قول مجنون وكلاهما قد ظهر جوابهما في البقاء على تقليد الميت ولأن ظاهر الشرطية عند إطلاقها يقتضي ذلك إذ ليس في كلام الأصحاب المشترطين لهذه الأمور في المفتي ما يظهر منه اختصاص الاشتراط بابتداء التقليد ولأن إطلاق ما دل على اعتبار بعض هذه الشروط كالعدالة من الأخبار نحو قوله عليه السلام في رواية الاحتجاج وأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه إلى آخره يتناول الحالتين كما يتناولهما الرضوي الدال على اشتراط الإيمان لا تأخذوا معالم دينكم من غير شيعتنا فإنك إن تعديتهم أخذت دينك من
296
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 296