نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 234
فإن حكم العقل باستحقاق فاعل الإحسان جزاء الخير بمنزلة كبرى كلية لخصوص حكم الشارع بمعنى إرادته ورضاه وطلبه للإحسان وإن كان إطلاق الحكم على هذا المعنى مجازا عندهم كما لا يخفى ومن هنا يلوح ضعف ما أفاده المحقق القمي رحمه الله في تحرير العنوان من قوله كما تبين عندنا معاشر الإمامية تبعا لأكثر العقلاء أن العقل يدرك الحسن والقبح إلى قوله كذلك من الواضح أنه يدرك أن بعض هذه الأفعال لا يرضى بتركه إلى أن قال وما توهّمه بعض المتأخرين من أن حكم العقل محض استحقاق المدح والذم فهو مبني على الغفلة عن مراد القوم وحسبان أن حكم العقل إنما هو الذي ذكروه في مبحث إدراك العقل ووجه الضعف أمران أحدهما حسبانه تعدد النزاع وقد علمت أن كلام الأكثرين يشعر بخلافه الثاني أنه على ما أفاده فلا معنى لدليلية حكم العقل لحكم الشرع بل العقل تارة يدرك الحسن والقبح بمعنى المدح والذم وأخرى يدرك الثواب والعقاب بمعنى أنه يدرك أنه مما يرضى اللَّه تعالى بفعله أو لا يرضى به فلا يتصور النزاع في ذلك إلا ممن ينكر حجية الإدراكات القطعية العقلية والمفروض أن العقل مذكور في عداد الأدلة والمسألة أصولية إذ المقصود فيها إثبات دليلية العقل للحكم الشرعي وبالجملة فما أفاده لا يكون دليلا للحكم الشرعي ولعله إنما أخذ ذلك من كلام المحقق اللاهيجي حيث قال إن العقل رسول في الباطن كما أن الرسول عقل في الظاهر فإن المستفاد من كلماته في موارد عديدة أن العقل لسان الشرع وطالب من قبله كما أن الرسول في الظاهر يبيّن أحكامه وكيف كان فلا وجه لما ذكره أيضا إلا أن يكون ذلك منه لبيان مقام آخر غير دلالة العقل على حكم الشرع كما هو الكلام في المسألة الأصولية المعبر عنها بقولنا كل ما حكم به العقل حكم به الشرع واعلم أن هذه القضية تحتمل وجوها أحدها أن يراد منها أن كل ما حكم به العقل حكم بمثله الشرع وهذا يلائم قولهم أن العقل والشرع متطابقان فإنه ظاهر في تعدد الحكمين وتطابقهما وتغايرهما من جهة أن أحد الحكمين شرعي والآخر عقلي إرشادي وعلى هذا المعنى ففي الموارد التي استقل بها العقل حكمان وحاكمان وثانيهما أن يراد منها كل ما حكم به العقل حكم بعينه الشرع وبعبارة أخرى أن الشرع يصدّق العقل فيما يحكم به لا أنه يحكم بحكم آخر لكنه يماثل حكم العقل وعلى هذا فالحاكم اثنان والحكم واحد فإن أحدهما حاكم وهو العقل والثاني مصدّق وهو الشرع وثالثها أن يراد منها أن كل ما حكم به العقل فهو عين ما حكم به الشرع بمعنى أن العقل رسول الشرع فكما أن الرسول لا يختلف حكمه عن حكم الشرع بل هو عين ما حكم به الشرع فكذلك العقل فإنه رسول في الباطن كما أن الشرع عقل في الظاهر فحكم الشرع قائم بالعقل حيث إنه لسان الشرع وعلى هذا الحكم واحد والحاكم واحد كما في أحكام الرسول صلى ا لله عليه وآله ثم إن هذه القضية قد تطلق في قبال من يرى صحة حكم العقل وعدم حكم الشرع لجواز خلو الواقعة عن الأحكام وقد تطلق في قبال من يرى أن حكم الشارع قد يكون على خلاف حكم العقل بعد تسليمه عدم جواز خلو الواقعة عن الحكم فعلى الأول يكون المقصود إثبات الحكم الشرعي قبالا لمن ينفيه والتطابق غير ملحوظ في المقام حينئذ وعلى الثاني يكون المقصود إثبات التطابق ونفس الحكم الشرعي سواء كان مخالفا أو موافقا غير ملحوظ في النزاع وذلك كما تقول الذي ضربته أمس ضربته اليوم فإنه قد يكون قولك مسوقا لإثبات المسند قبالا لمن نفاه وقد يكون مسوقا لإثبات المضروب وبيانه وقد تقدم ما يدل على ثبوت الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع بمعنى الإرادة والكراهة والسخط والرضا وسيأتي ما يدل من الأدلة الشرعية كتابا وسنة وإجماعا بأقسامه محققا ومنقولا بسيطا ومركبا على الملازمة بين الحكمين بمعنى الحكم اللفظي الخطابي كما ادعاه محقق الجمال قال الأستاذ دام علاه وزعم بعض المعاصرين جواز الانفكاك بين حكم العقل والشرع أراد به صاحب الفصول حيث قال بعد ما عنون البحث في مقامين أحدهما يرجع في محصّل المعنى إلى الكلية القائلة بأن كلما حكم به العقل حكم به الشرع وثانيهما إلى حجية القطع وجواز عمل القاطع بقطعه فالحق عندي في المقام الأول أن لا ملازمة عقلا بين حسن الفعل أو قبحه وبين وقوع التكليف على حسبه ومقتضاه وإنما الملازمة بين حسن التكليف بالفعل أو الترك وبين وقوعه منهم جهات الفعل من جملة جهات التكليف فقد يقتضي حسن الفعل أو قبحه حسن التكليف به وقد لا يقتضي لمعارضته لجهة أخرى في نفس التكليف واستند في ذلك إلى وجوه الأول حسن التكليف الابتلائي فإن الضرورة قاضية بحسن أمر المولى عبده بما لا يستحق فاعله المدح في نظيره استخبارا لحال العبد أو إظهارا لحاله عند غيره ولو كان حسن التكليف مقصورا على حسن الفعل لما حسن ذلك والجواب عنه أما أولا فبأنه خارج عن محلّ الكلام فإن الكلام إنما هو في الملازمة بين حكم العقل بعد إدراكه الجهة المحسنة والمقبحة وحكم الشرع ولا وجه للابتلاء بعد العلم بحال الفعل وجوبا وحرمة لعدم وجود الفائدة إذ لا فائدة فيه كما لا يخفى نعم إنما يرد ذلك نقضا على الملازمة بين حكم الشرع والعقل التي مرجعها إلى الحكم بتبعية الأحكام الشرعية للصفات الكامنة في الأشياء باعتبار حدود ذواتها أو بعد انضمام أمور أخر إليهما زمانا ومكانا ونحوهما ومن هنا يظهر استقامة ما أجاب به عن الاعتراضات التي أوردها المحقق القمي على الوجه المذكور حيث إنه إنما حاول دفعه في ذلك المقام وقد عرفت أنه لا ربط بين المقامين كما لا يخفى على المتدبر فيهما وأما ثانيا فبأن التكاليف الابتلائية خارجة عن محل تشاجرهم وحريم نزاعهم إذ ليست بتكاليف حقيقية فإن التكاليف الحقيقية على ما هو المصرح به في كلام المتكلمين لا بد وأن تكون مشتملة على حسن زائد على حسن التكليف قال المحقق الطوسي قدّس سرّه القدّوسي في مقام بيان شرائط حسن التكليف وشرائط حسنه انتفاء المفسدة وتقدمه وإمكان متعلقه وثبوت
234
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 234