إذا عرفت فاعلم أن الكلام هنا يقع في مقامين : 1 - أن تكون اليد الموضوعة على مجهول المالك ابتداء يد أمانة . 2 - أن تكون هذه اليد مسبوقة بالضمان ثم تنقلب إلى يد أمانة واحسان ، كمن أخذه بنية التملك ثم نوى بعد ذلك حفظه لمالكه ، وكمن غصبه من المالك ثم تاب وعزم على ايصاله إليه ولم يتمكن من ذلك لفقد المالك أو لكونه مجهولا بين أشخاص غير محصورين . أما المقام الأول ، فالظاهر هو عدم الضمان فيها ، وليس ذلك من جهة أن الشارع قد أذن في التصدق بمجهول المالك ، وهو ينافي الحكم بالضمان ، لأن إذن الشارع في التصرف بمال الغير يرفع حرمته التكليفية ولا ينافي ذلك ضمانه ، بل من جهة أن دليل الضمان هو أحد الأمور الثلاثة : أما قاعدة ضمان اليد ، وأما قاعدة الاتلاف ، وأما قيام دليل خاص عليه . أما الأولى فهي منتفية هنا قطعا ، إذ المفروض أن اليد كانت يد أمانة واحسان ، وما على المحسنين من سبيل . وأما قاعدة الاتلاف فهي مردودة لوجوه عديدة : 1 - إنها ليست برواية لكي يتمسك بها ، وإنما هي قاعدة متصيدة من موارد شتى ، فلا يمكن التمسك بها في غير الموارد المسلمة . 2 - إن الاتلاف إنما يقتضي الضمان إذا لم يكن التصرف لنفع المالك وإلا فلا يوجب الضمان ، ومن هنا إذا أشرف أحد على الهلكة وتوقف انجاؤه منها على بذل مقدار من ماله ، فإن ذلك يكون واجبا من غير ضمان . 3 - إن التصدق بمجهول المالك لو كان موجبا للضمان ببدله لكان البدل أيضا مجهول المالك ومشمولا لما دل على وجوب التصدق به ، وهكذا فيلزم التسلسل ، ومن الضروري أن ذلك مقطوع العدم . وأما الدليل الخاص فلم نجد في المقام ما يدل على الضمان إلا رواية