فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية [1] ، فإن الظاهر من ذلك أنه إذا توقف حفظ النفس على ارتكاب أي محرم فإنه يصبح مباحا ، مقدمة لصيانة النفس المحترمة عن التلف ، إلا أن التقية إذا اقتضت إراقة دم محترم لحفظ دم آخر فإنها لا تشرع حينئذ ، لما عرفت آنفا أن كلا من الشخصين مشمول للحديث ، فترجيح أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجح [2] . بل قد عرفت سابقا أن الغرض الأقصى من جعل التقية في الشريعة المقدسة إنما هو حفظ أموال المؤمنين وأعراضهم ونفوسهم ، وما أشبه ذلك من شؤونهم ، فإذا توقف حفظ شئ منها على اتلاف عديله من شخص آخر ارتفعت التقية حينئذ لارتفاع الغاية منها . ومثاله ما إذا اقتضت التقية اتلاف مال شخص لحفظ مال شخص آخر ، فإنه لا يجوز اتلافه تقية . والوجه فيه : أن شمول أخبار التقية لهما على حد سواء ، وإذن فترجيح أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجح كما عرفت ، فيرجع في ذلك إلى الأدلة الدالة على حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه ، وهكذا الحال في جميع موارد التقية . غاية الأمر أن ما دل على أن التقية إنما شرعت ليحقن به الدم ناظر إلى بيان المرتبة العليا من التقية ، وليس فيه ظهور في اختصاص الحكم بهذه المرتبة فقط . ومن هنا ظهر ما في كلام المحقق الإيرواني حيث قال : ويقرب عندي أن المراد من هذه الأحاديث أمر وجداني يدركه العقل ، وهو أن التقية لما
[1] قد تقدمت هذه الرواية في البحث عن الاضرار بالناس مع الاكراه عليه . [2] كما صرح به في الرياض 1 : 510 ، الجواهر 22 : 169 .