إن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله ، واحياء الباطل كله ، واظهار الظلم والجور والفساد ، وابطال الكتب وقتل الأنبياء ، وهدم المساجد وتبديل سنة الله وشرايعه ، فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلا بجهة الضرورة ، نظير الضرورة إلى الدم والميتة . وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند ، كما تقدم الكلام عليها في أول الكتاب ، إلا أن تلك التعليلات المذكورة فيها تعليلات صحيحة ، فلا بأس بالتمسك بها . ثم إن ظاهر جملة من الروايات كون الولاية من قبل الجائر بنفسها محرمة ، وهي أخذ المنصب منه وتسويد الاسم في ديوانه وإن لم ينضم إليها القيام بمعصية عملية أخرى ، من الظلم وقتل النفوس المحترمة ، وإصابة أموال الناس وأعراضهم ، وغيرها من شؤون الولاية المحرمة . فأي وال من ولاة الجور ارتكب شيئا من تلك العناوين المحرمة يعاقب بعقابين : أحدهما من جهة الولاية المحرمة ، وثانيهما من جهة ما ارتكبه من المعاصي الخارجية . وعليه فالنسبة بين عنوان الولاية من قبل الجائر وبين تحقق هذه الأعمال المحرمة هي العموم من وجه ، فقد يكون أحد واليا من قبل الجائر ولكنه لا يعمل شيئا من الأعمال المحرمة ، وإن كانت الولاية من الجائر لا تنفك عن المعصية غالبا ، وقد يرتكب غير الوالي شيئا من هذه المظالم الراجعة إلى شؤون الولاة تزلفا إليهم وطلبا للمنزلة عندهم ، وقد يجتمعان ، بأن يتصدى الوالي نفسه لأخذ الأموال وقتل النفوس وارتكاب المظالم .