والرأي لا يدل على أزيد من الاستحباب ورجحان العمل ، فإن العقل من أعظم النعم الإلهية وقد من به سبحانه على عباده لهدايتهم ، فصرفه إلى غير ما خلق لأجله يوجب الزوال وهو من النقمات الشديدة ، كما أن صرفه إلى ما خلق لأجله يوجب المزية والاستكمال ، ولا شبهة في رجحانه . ومن هنا ظهر أن قوله ( عليه السلام ) في رواية عباية : وأنصح لمن استشارك [1] ، ارشاد إلى ما ذكرناه ، فيكون محمولا على الاستحباب ، على أن الروايات المذكورة كلها مجهولة الرواة . ويدل على عدم الوجوب أيضا ما أشرنا إليه سابقا من جواز ارجاع المستشير إلى غيره فإنه ينافي وجوب النصح . 4 - الروايات الآمرة بإعانة المؤمن وكشف كربته وقضاء حاجته [2] ، ومن الواضح أن نصح المؤمن نوع منها فيكون واجبا . وفيه : أن جميع ما ورد في حقوق الإخوان محمول على الجهات الأخلاقية ، فيحمل على الاستحباب إلا ما ثبت وجوبه في الشريعة ، كرد السلام ونحوه ، ضرورة أنه لم يلتزم أحد فيها بالوجوب بل قامت الضرورة على عدم الوجوب ، فتكون الضرورة قرينة على رفع اليد عن ظهورها في الوجوب . وحاصل جميع ما قدمناه أنه لا دليل على وجوب النصح بعنوانه الأولى مطلقا ، إلا إذا كان تركه موجبا لتلف النفس وهتك العرض وذهاب المال الخطير ، فإنه يجب حينئذ لأهمية الأمور المذكورة .
[1] الغارات 1 : 249 ، عنه المستدرك 8 : 346 ، مجهولة ليحيى ومالك وعباية . [2] راجع مصادقة الإخوان للصدوق ، والوافي الفصل الخامس أبواب ما يجب على المؤمن من الحقوق في المعاشرة ، والوسائل : 12 أبواب العشرة في السفر ، والمستدرك : 9 أبواب العشرة في السفر من كتاب الحج .