أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه [1] ، فإنه تعالى بعد نهيه عن الغيبة صريحا أراد بيان كونها من الكبائر الموبقة والجرائم المهلكة . فشبه المغتاب - بالكسر - بآكل الميتة ، إما لأنه يأكل الجيف في الآخرة كما في بعض الروايات [2] ، أو لتشبيه بالسباع والكلاب ، أو لكون حرمة الغيبة كحرمة أكل الميتة ، بل أعظم كما في رواية العسكري ( عليه السلام ) [3] . وقد شبه عرض المؤمن باللحم ، فإنه ينتقص بالهتك كما ينتقص اللحم بالأكل ، وشبه الاغتياب بالأكل لحصول الالتذاذ بهما ، ووصف المؤمن بأنه أخ ، فإن المؤمنين إخوة ومن طبيعة الإخوة أن يكون بينهم تحابب وتوادد ، وشبه المغتاب ( بالفتح ) بالميت لعدم حضوره في أكثر حالات الاغتياب . وصدر سبحانه وتعالى الجملة بالاستفهام الانكاري اشعارا للفاعل بأن هذا العمل يقبح أن يصدر من أحد ، إذ كما لا يحب أحد أن يأكل لحم أخيه الميت ، لاشمئزاز طبعه عنه وشدة رأفته به ، وكذلك لا بد وأن يشمئز عقله عن الغيبة لكونها هتكا لعرض أخيه المؤمن . وقد استدل على حرمة الغيبة بآيات أخر ، ولكن لا دلالة في شئ منها على ذلك إلا بالقرائن الخارجية ، فلا يكون الاستدلال بها بالآيات بل بتلك الأمور الخارجية .
[1] الحجرات : 12 . [2] عن القطب الراوندي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه نظر في النار ليلة الاسراء ، فإذا قوم يأكلون الجيف ، فقال : يا جبرئيل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس ( لب اللباب ، مخطوط ، عنه المستدرك 9 : 125 ، مجموعة الورام : 115 ) ، مرسلة . [3] عن الإمام أبي محمد العسكري ( عليه السلام ) في تفسيره : اعلموا أن غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة آل محمد ( عليهم السلام ) أعظم في التحريم من الميتة ، قال الله : ولا يغتب - الآية ( تفسير الإمام ( عليه السلام ) : 245 ، عنه المستدرك 9 : 113 ) ، أقول : لم يثبت لنا اعتبار هذا التفسير .