من الكتاب العزيز [1] ، وأطلق المشركون صفة الساحر على النبي الصادق المصدق ، فقد زعموا أن محمدا ( صلى الله عليه وآله ) يظهر الباطل بصورة الحق بكلمات فصيحة وخطب بليغة حتى يسحر بها أعين الناظرين وقلوبهم . ومن هنا أيضا أطلق السحر على البيان الجيد بلحاظ المدح والذم [2] ، فإنه يصرف حواس الحاضرين وآذان السامعين إلى المتكلم ، وبهذا الاعتبار أيضا أطلق السحر على تمويه الفضة بالذهب . وعلى الجملة إن الناظر إلى كلمات أهل اللغة وموارد الاستعمال يقطع بأن السحر ليست له حقيقة واقعية وإنما هو ما ذكرناه ، ومن جميع ما تقدم ظهر ما هو المراد من الأخبار المتظافرة الدالة على حرمة السحر ، وقد ذكرنا بعضها في الهامش . وأما ما ذكره في القاموس من أن السحر ما لطف مأخذه ودق ، فإنه وإن انطبق على ما ذكرناه ، لأن صرف الشئ عن وجهه على سبيل التمويه له مأخذ دقيق جدا ، إلا أنه تعريف بالأعم ، فإن الأمور التي يلطف
[1] في مفردات الراغب : نحن قوم مسحورون أي مصروفون ، وفي لسان العرب فأنى تسحرون أي تصرفون ، وفي مجمع البحرين إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أي مصروفا عن الحق ، وغير ذلك من الموارد ( مر ذكر المصادر قبيل هذا ) . [2] في لسان العرب : السحر البيان في فطنة ، كما جاء في الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أن قال : إن من البيان لسحرا ، قال أبو عبيدة : كان المعنى أنه يبلغ من ثنائه أنه يمدح الانسان فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله ، ثم يذمه فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر ، فكأنه قد سحر السامعين بذلك ( لسان العرب 4 : 349 ) . ذكر في البحار الحديث ثم قال ما حاصله : وسمى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعض البيان سحرا لوجهين : الأول : أنه لدقته ولطفه يستميل القلوب إلى المتكلم . والثاني : أن المقتدر على البيان يكون قادرا على تحسين ما يكون قبيحا ، وتقبيح ما يكون حسنا ، فذلك يشبه السحر من هذا الوجه ( البحار 59 : 277 ) .