ومقتضى حلَّيّة طعام أهل الكتاب للمسلمين هو حلَّيّة كلّ ما يصنعونه بأيديهم ، ويعالجونه بمباشرتهم له ، فمع نجاستهم كيف يحكم بطهارة ما باشروه بأيديهم ، ويحلّ للمسلمين أكله ، فلا بدّ وأن يكونوا محكومين بالطهارة ذاتا . وتخصيص الطعام بالبرّ ( الحنطة ) والحبوب ونحوها خلاف إطلاق الآية الشريفة مع اندراجه في الطيّبات الَّتي ذكرت في أوّل الآية الشريفة مع أنّ حبوب المشركين وسائر الكفّار ، وبرّهم كانت محلَّلة قبل نزولها ، فلا وجه لتخصيص أهل الكتاب بالذكر . أضف إلى ذلك أنّ الآية المباركة واقعة موقع الامتنان والتخفيف حيث صدر الآية بقوله تعالى * ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ) * وكانت الآية في سورة المائدة وقد ورد أنّها آخر ما نزلت على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلَّم بعد بسط الشريعة المقدّسة وانتشارها في أقطاع العالم . ويستشهد لاستعمال الطعام في المعنى العامّ بآيات : 1 - كقوله تعالى * ( كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِه ) * [1] . وقد ورد في تفسيره : إنّ يعقوب عليه السّلام أصابه داء في عرقه ، فنذر أن لا يأكل اللَّحم ، فأطلق الطعام وأريد به ما يعمّ الحبوب ونحوها . ولم يقل أحد أنّ المراد بالطعام في الآية الشريفة هو البرّ ، والحبوب ، إذ لم يحرم شيء منه على بني إسرائيل لا قبل نزول التوراة ولا بعده . 2 - وقوله تعالى * ( ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّه مِسْكِيناً ويَتِيماً وأَسِيراً ) * [2] .