اشتهر تلك الفتوى منهم حتّى اتّفقت كلمة المتأخّرين على ذلك تقريبا ، ولم يخالفهم في ذلك إلَّا القليل منهم ممّن لا يتجاوز عددهم رؤس الأصابع . وتوهم أنّ إجماعهم على انفعال ماء البئر اجتهاديّ محض وإنّهم فهموا واستظهروا من أخبار الباب نجاستهم ، وفي قبالهم من لم يفهموا ذلك ، بل استفادوا واستظهروا منها عدم الانفعال ، بخلاف إجماعهم على نجاسة أهل الكتاب ، فإنّ له عرقا قرآنيّا ، ومأخذه أخبار واردة في الباب فقط بحيث لم يخالفهم في ذلك فقيه ، ومن خالفهم في ذلك وأفتى بطهارتهم - كالمحقق السبزواري - تركوه العلماء وحيدا ورفضوا كلامه [1] . مدفوع بأنّه لا فرق بين المسألتين فيما هو المهم ، فكما أنّ إجماعهم على انفعال ماء البئر بملاقاة النجس لم يكن تعبديّا بل مستند إلى ظاهر الأخبار الآمرة بالنزح وغيره ، فكذلك إجماعهم على نجاسة أهل الكتاب لم يكن تعبديّا بل مستند إلى ظاهر الكتاب والسنّة . فلم يكن الإجماع في المسألتين دليلا تعبديّا ، فلا بدّ من ملاحظة مدرك المجمعين . وأمّا الفرق بين البابين بأنّ القول بعدم انفعال ماء البئر لم يكن في الصدر الأوّل بحيث يكون شاذّا ، بخلاف القول بطهارة أهل الكتاب فإنّه من الشذوذ بمكان فإذا رأى أحد وأفتى بطهارتهم يكون مطرودا مفروض القول ، ومعرضا عنه . ففيه أنّه كما يكون القول بعدم انفعال ماء البئر موجودا بين القدماء - من غير اشتهار بينهم - فكذلك يكون القول بطهار أهل الكتاب موجودا بين القدماء