وقد تكون غير شخصيّة ، بمعنى أنّه لا يخاف على نفسه ولا على غيره ، بل تجوز مع ثبوت المندوحة ، بل يجوز جعل النفس بمعرض التقيّة ، كأن لا يصلَّي في بيته بدون التكفير ، بل يخرج إلى مجامع المخالفين ويصلَّي في جماعتهم مع التكفير . والقسم الأوّل لا بدّ فيه من عدم المندوحة ، وإلَّا فلا اضطرار حتّى يباح الحرام . وأمّا الثاني فالشارع جوّز لنا مع ثبوت المندوحة ، بل رغب وحثّ بإدخال النفس في جماعاتهم وتشييع جنائزهم وعيادة مرضاهم وحسن السلوك والرفاقة والموادّة معهم حتّى يقولوا : ربّاهم جعفر بن محمّد عليهما السّلام بأحسن تربيته . وبالجملة ، فعلى هذا القسم الثاني من التقيّة عن المخالفين يحمل ما ورد في بعض الأخبار من أنّ التقيّة أوسع ممّا بين السماء والأرض [1] ، وما في بعض الأخبار من أنّ التقيّة في كلّ شيء إلَّا في المسح على الخفّين وشرب المسكر ومتعة الحجّ [2] إذ من الواضح أنّ القسم الأوّل متى تحقّق في هذه الثلاثة جوّزتها ، ولا يخفى أنّ ظاهر أدلَّته الإجزاء أيضا وحصول الوضع علاوة على رفع الحرمة التكليفيّة . وحينئذ نقول : هذه التقيّة الثانية المغيّرة للتكليف والوضع معا إنّما يثبت بالنسبة إلى المخالفين بأصنافهم ما دام لهم الشوكة والاقتدار ، فلو فرض زوال شوكتهم قبل قيام الحجّة المنتظر عليه وعلى آبائه الطاهرين الصلاة والسلام ، لم يبق دليل على هذه المعاملات معهم .
[1] مستدرك الوسائل : كتاب الأمر بالمعروف ، الباب 23 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبها ، الحديث 14 . [2] الوسائل : كتاب الأمر والنهي ، الباب 25 من أبواب الأمر والنهي ، الحديث 5 .