والظاهر أن وجوب التعليم في الأمور التي يجب تعلمها كذلك - خصوصا بعد ما ورد أن اللَّه تعالى لم يكلف الجاهل بالتعلم الا بعد إيجابه التعليم على العالم [1] - فان تعليم العالم إذا كان في الرتبة قبل احتياج الناس اليه كما هو قضية المقدمية كان من الأمور الغير المرغوب إليه الذي لا تمول له عرفا في تلك المرتبة ، ونحوها الدفن والكفن الشرعيين . « والثاني » - ما له أجرة عرفا مع قطع النظر عن الوجوب أيضا كالصناعات ، وما ذكرنا من الإشكال في جواز الأجرة انما يتجه في القسم الأول ، وأما القسم الثاني فيمكن القول فيه بأن الوجوب الكفائي لم يلحق أحدا إلا بالعمل على وجه الأجرة دون التبرع أو الأعم . والفرق هو أن القسم الأول لما لم يكن قبل عروض الوجوب أمرا متقوما لم يكن محترما وامتنع اتصافه بالتبرع كالاتصاف بكونه في مقابل الأجرة ، لأن التبرع عدم أخذ العوض في مقابل ماله شأنية العوض لا كل ما لا يؤخذ عوضه ، وإذا امتنع ذلك الممتنع القول بعروض الوجوب من أول الأمر للعمل مع الأجرة ، نحو امتناع عروض الطلب للفعل المقرون بالقربة كما أومأنا اليه آنفا وقلنا ان القيود المتحصلة والمتصورة بعد فرض المحمول يستحيل اعتبارها في الموضوع . بخلاف القسم الثاني ، فإنه لا مانع من القول بأن متعلق الوجوب في هذا القسم انما هو التكسب دون التبرع ، فيقال : ان اللَّه تعالى أوجب التكسب بالخياطة مثلا لا نفسها ، ووجوب التكسب لا ينافي أخذ الأجرة بل تحققه كما لا ينافيه أيضا التبرع . وان شئت قلت : أن الواجب انما هو بذل العمل المحترم ، والمقوم ، ووجوب بذل المال المحترم أو العمل المحترم لا يوجب سلب الاحترام حتى يمتنع