ومن الواضح أن إيجاب الاحتياط في الحكم بالاشتغال مع اقتضاء الاستصحاب خلافه أمر غير معهود ، فلا يحسن تعليله بأمر يكون مثله في الغرابة ، أعني احتمال البراءة الواقعية . وأما إيجاب الاحتياط في استعمال موازين القضاء بالجمع بين البينة واليمين مراعاة لاحتمال دعوى لا يترتب عليها سوى الاستحلاف ، أمر مأنوس بالاذهان كأنه من الأمور المعلومة عند المخاطب . ويمكن استفادة ذلك أيضا من قوله « أو بغير بينة » ، إذ لو كان المقصود إبداء احتمال البراءة الذي يجري في جميع الموارد كفى في ذلك قوله « ببينة » ، فيعلم من ذلك أنه عليه السلام أراد بقوله « بغير بينة » إبداء احتمال يستتبع الاستحلاف إذ لو كان قد وفي بغير بينة فليس له سوى الاستحلاف . وبالجملة فرق واضح بين قولنا « يجب الاستحلاف لاحتمال البراءة الواقعية » وبين قولنا « يجب لاحتمال دعوى البراءة » ، فإن الأول تعليل ركيك مخالف لقاعدة حجية البينة والاستصحاب والثاني غير مخالف لشيء منهما ، أمر مأنوس بالاذهان كأنه أمر معلوم ، لان دعوى البراءة على تقدير فعليتها بعد ثبوت الاشتغال مستتبعة للاستحلاف جدا ، وعلى تقدير كونها تقديرية يناسبها الاستحلاف استظهارا ، ومرجعه الى الاحتياط والأخذ بالأوثق في استعمال ميزان القضاء ، لان الاحتياط في كل شيء بحسبه . والاحتياط في اعمال الموازين هو مراعاة جميع الدعاوي المحتملة واستعمال ما يناسب كل منها من الموازين حتى يكون الحكم جامعا للميزان على كل تقدير كما في المقام ، فان المدعى عليه لو كان حيا فاما يعترف بالحق أو يدعي البراءة الأصلية أو يدعي البراءة الطارئة بعد الاشتغال ببينة أو يدعيها بغير بينة ، وعلى جميع التقادير يقع الحكم موقعه ، أما على الأول فواضح وأما على الثاني فلان