بل لكونه تاركاً للمسح رأساً ؛ لأنّ المفروض أنّه لم يمسح لا على رجليه ولا على الخُفّين ، فبطلان الوضوء بسبب نقص جزء منه . وأمّا لو فُرض أنّه ترك المسح على الخُفّين الواجب تقيّة ، ولكن مسح على رجليه ، فلا وجه لبطلان وضوئه . وادّعاء عدم الخلاف فيه ممنوع جدّاً . وقد ظهر من جميع ما ذكرنا : أنّ الأقوى بمقتضى القواعد صحّة العمل الذي ترك فيه التقيّة مطلقاً ؛ سواء كان ذلك في الفعل أو الترك . ولكن ربما يستظهر من بعض الروايات البطلان بترك التقيّة ، وهي رواية داود الرّقّي الطويلة - التي نقلها في " الوسائل " في الباب الثاني والثلاثين من أبواب الوضوء عن كتاب " رجال الكشي " وفيها : أنّ الإمام ( عليه السّلام ) أجاب عمّن سأله عن عدّة الطهارة بقوله ثلاثاً ثلاثاً مَن نقص عنه فلا صلاة له [1] . فإنّ نفي الصلاة عمّن نقص عمّا ذكره - الواجب تقيّة صريح في أنّ ترك التقيّة يوجب بطلان العمل . ولكن الرواية - مضافاً إلى ضعف سندها [2] تُمكن الخدشة في دلالتها : بأنّ هذا التعبير إنّما وقع تأكيداً واهتماماً ؛ لئلَّا يعمل السائل على خلافه ، فيُقتل على يد عدوّه الذي كان مراقباً لوضوئه ؛ ليكشف من هذا الطريق مذهبه ، فلا يدلّ ذلك على البطلان بمجرّد ترك التقيّة ؛ وإيقاع العمل مخالفاً لها ، كما لا يخفى .
[1] اختيار معرفة الرجال : 312 / 564 ، وسائل الشيعة 1 : 443 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 32 ، الحديث 2 . [2] رواها الكشي ، عن حمدويه وإبراهيم ، عن محمّد بن إسماعيل الرازي ، عن أحمد بن سليمان ، عن داود الرقّي . والرواية ضعيفة لجهالة أحمد بن سليمان .