لم يكن وجه لتنزيله منزلة الجاري الظاهر في مشابهته معه فقط ؛ إذ يتحقّق ذلك المقصود بالتشبيه بالكُرّ . فالوجه في انتخاب الماء الجاري وجعله مشبَّهاً به ، إنّما هو خصوصيّة منحصرة بالماء الجاري ، وهي : تقوّي الماء بالمادّة وتجدّده وخروجه منها تدريجاً . وحينئذٍ فيكون المراد : أنّه كما أنّ الماء الجاري له خصوصيّة موجبة لعدم انفعاله من دون فرق بين أن يكون ما في المادّة كُرّاً أو أنقص كذلك ماء الحمّام لا ينفعل بمجرّد الملاقاة ؛ لكونه معتصماً بالمادّة التي يخرج منها الماء تدريجاً ، ويمتزج مع الماء الموجود في الحياض الصغيرة ، ويصير مانعاً عن كثافته . وبالجملة : المستفاد من التنزيل أنّ الوجه في عدم انفعال ماء الحمّام ، هو تجدّد مائه وتقوّيه بمادّته نظير الماء الجاري ، وهذا لا فرق فيه بين الكثير والقليل ؛ إذ قد عرفت أنّ الوجه في عدم الانفعال ليس كونه كثيراً ، وإلَّا لما كان وجه لتنزيله منزلة الجاري ، بل الوجه ما ذكرناه وهو متحقّق في كلتا الصورتين . بل نقول : إنّه لو نزّل الإمام ( عليه السّلام ) الحمّام الخاصّ الموجود في مادّته مائة كُرّ أو أزيد منزلة الماء الجاري ، كان يستفاد منه ما ذكرنا من عدم اعتبار الكرّيّة في المادّة ؛ لأنّ الوجه في ذلك التنزيل لا يمكن أن يكون هي الكثرة ، بل الوجه ما ذكرنا ، فلا فرق بين صورتي الكثرة والقلَّة . ثمّ إنّه لو تنزّلنا عن ظهور الصحيحة فيما ذكرنا ، فلا أقلّ من أن يصير ذلك مانعاً عن رفع اليد عن الإطلاق ، وتنزيله على ما هو المتعارف . وبالجملة : فلا دليل لرفع اليد عن الإطلاق ، وحمله على غير ما هو بصدده ، كما هو ظاهر .