التبعيضيّة ، وإنكار سيبويه مجيء الباء للتبعيض [1] ، لا ينافي ذلك بعد تصريح كثير من أئمّة أهل اللغة وأكابر النحويّين بذلك ، فقد نصّ عليه ابن قتيبة وأبو علي الفارسي وابن جنّي وابن مالك في " شرح التسهيل " وغيرهم ، واستشهد عليه ابن مالك بذهاب الشافعي - الذي هو من أئمّة اللسان وأحمد وأبي حنيفة إليه [2] ، ونقل عن ابن عباس مجيئها بمعنى " من " في قوله تعالى * ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ الله ) * [3] ، ومثله قوله تعالى * ( فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ الله ) * [4] ؛ أي من علم الله . وبالجملة : فإنكار ذلك مكابرة محضة وقد عرفت أنّ المناسب بالآية من بين المعاني إنّما هو هذا المعنى ، لا المعاني الأُخر . ومن هنا يُعرف الخلل فيما في " المصباح " [5] وغيره [6] ؛ من أنّ منع دلالة الآية لا يتوقّف على إنكار مجيء الباء بمعنى " من " ، بل يكفي - في عدم ظهورها في ذلك عدمُ القرينة على تعيّن إرادته ؛ لأنّ حمل المشترك على بعض معانيه يحتاج إلى قرينة معيّنة . وجه الخلل : أنّه مع تسليم مجيء الباء بمعنى " من " لا مجال لهذا الإشكال أصلًا ، بعد ما عرفت من أنّ المناسب من بين المعاني إنّما هو خصوص هذا المعنى .
[1] الكتاب ، سيبويه 2 : 365 ، انظر مختلف الشيعة 1 : 267 ، جواهر الكلام 2 : 171 . [2] انظر مجمع البحرين 4 : 196 ، مغني اللبيب 1 : 142 . [3] لقمان ( 31 ) : 31 ، مجمع البحرين 4 : 196 . [4] هود ( 11 ) : 14 ، مجمع البحرين 4 : 196 . [5] مصباح الفقيه ، الطهارة 2 : 342 . [6] انظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 2 : 208 .