ولا تشرب ، فإنّ اتّحاد السياق يقتضي كون النهي عن الوضوء ، نظير النهي عن الشرب ، فكما أنّ شربه حرام ذاتاً فكذلك التوضّي به واستعماله في الطهارة . وأنت خبير : بأنّ القول بكون الوضوء بالماء النجس لا يترتّب عليه أزيد من الفساد ، لا يستلزم أن يكون صيغة النهي مستعملة في المعنيين ، بل النهي قد استعمل في معنىً واحد ، وهو عدم كون المنهيّ عنه ماضياً في الشريعة ، غاية الأمر أنّ عدم المضيّ في الوضوء ، إنّما هو بمعنى عدم ترتّب الأثر المقصود منه عليه ، وفي الشرب - بعد عدم إمكان حمله على هذا المعنى إنّما يساوق الحرمة ، فالاختلاف إنّما هو بين المتعلَّقين ، لا بين نفس الحكمين أصلًا . وأمّا الحرمة التشريعيّة فلا يفهم المراد منها ، فإنّه إن كان المراد بالتشريع : إدخال ما ليس من الدين فيه ، وترويجه بين الناس ، وإلقاؤه عليهم ، مع إظهار أنّه من الدين وإن لم يكن معتقداً به ، فهذا هو الذي يسمّى بالبدعة ، وهي من المحرّمات الذاتيّة ، كشرب الخمر وسائر المحرّمات . وإن كان المراد هو البناء على أنّ العمل الفلاني مشروع في الشريعة ، مع أنّه لا يكون الأمر كذلك ولا يكون هو معتقداً بكونه كذلك واقعاً كالبناء على أنّ صلاة الظهر هي ثلاث ركعات مثلًا ، فكيف يعقل هذا البناء مع علمه بكونها أربع ركعات ؟ ! وبالجملة : فالإتيان بصلاة الظهر ثلاث ركعات - مثلًا مع البناء على أنّها مجعولة بهذا المقدار ، لا يكون مرجعه إلَّا إلى الإتيان بصورة الصلاة ؛ لأنّ المفروض علمه بخلاف ذلك ، فالآتي بها بهذا النحو لا يكون آتياً بالصلاة أصلًا . وبالجملة : لم يظهر لنا معنىً معقول للتشريع ؛ بحيث يمكن صدوره من العقلاء ولو أحياناً ، فتدبّر .