والحاصل : أنّ الماء في الأوّل لا يستقذر ولا ينجس ، وفي الثاني يصير مستقذرا وينجس ، فهذا تفصيل بين الجاري والواقف بعد ثبوت الكراهة في مطلق الماء وتعليله بأنّ للماء أهلا بتضعيف الكراهة في الأوّل وتشديدها في الثاني ، ولكن الإنصاف أنّه مع ذلك لا يمكن التمسّك بهذه الأخبار لإمكان أن تكون العلَّة أمرا آخر . نعم لو استظهر من الرواية الأخيرة كون جملة « يبال فيه » صفة للماء ورجوع الضمير في « لا بأس به » إلى الماء دون أن يكون التقدير « أيبال فيه » ويكون الضمير راجعا إلى البول أمكن التمسّك به . وبالمرسل المحكي عن نوادر الراوندي : الماء الجاري لا ينجسه شيء [1] . وعن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين - عليه السلام - قال في الماء الجاري يمر بالجيف والعذرة والدم يتوضّأ ويشرب وليس ينجسه شيء ما لم تتغير أوصافه : طعمه ولونه وريحه [2] . وليس فيهما سوى ضعف السند ، ويمكن أن يقال بجبره بعمل الأصحاب ، فإن المشهور المعروف ممّن عدا العلَّامة - قدّس سرّه - هو القول بعدم انفعال الجاري ، والمفروض أنّ خبر البئر لم يكن معمولا به عند كثير منهم ، إلَّا أن يقال : لعلّ استنادهم إلى روايات الحمام - كما يأتي ذكرها - وبعموم التعليل بالمادة في صحيحة ابن بزيع والتمسك بها في محلَّه بناء على ما اخترناه من رجوع التعليل إلى الفقرة الأولى .
[1] - المستدرك : ج 1 ص 191 ، ح 4 . [2] - المصدر نفسه : ج 1 ص 191 ، ح 5 .