المناط والمعيار في حرمة النبيذ المتخذ من التمر ، إنّما هو الوصول إلى حد الإسكار ، وأنّه ما لم يصل إلى هذا الحدّ يكون حلالا ، مثل رواية وفد الذين ذهبوا عن مجلس الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فتذكَّروا عدم سؤالهم عن مسألة مهمة ، فأرسلوا جماعة منهم ليسألوا عن النبيذ الذي كانوا يشربونه ، فقال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم : صفوه لي ، فجعل السائل يبيّن كيفية طبخه وصناعته - إلى أن قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - قد أكثرت يا هذا أفتسكر ؟ قال : نعم ، قال : كل مسكر حرام [1] . فإنّه واضح الدلالة على أنّ المناط هو الإسكار ، دون الغليان إلى غير ذلك من الأخبار التي يجدها المتصفّح ، بحيث لا يبقى مجال معارضتها للروايتين الواردتين في النضوح ، في إحديهما سئل عن النضوح المعتق كيف يصنع حتى يحل ؟ قال : خذ ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر » [2] . وفي الأخرى « سألته عن النضوح ؟ قال : يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، ثمّ يمتشطن » [3] . إذ لعلَّه كان وجه الحكم بالإغلاء حتى يذهب الثلثان ، أنّ النضوح ممّا يبقى غالبا مدّة كثيرة لتطيب النسوان به ، بحيث لو لم يذهب غالب أجزائه المائية لكان في معرض الفساد والاختمار ، فلهذا حكم بإذهاب ثلثيه حتى يكون محفوظا من التغيّر وإن بقي مدّة طويلة . « مسألة : هل المعتبر في حدّ الحرمة في كل عصير قلنا بها فيه ما ذا ، هل هو مجرّد الغليان الذي هو عبارة عن صيرورة الأسفل أعلى وبالعكس ، أو يعتبر علاوة عليه من حصول الاشتداد ، والثخونة التي تدرك بالحس ، وعدم الاعتبار بالثخونة
[1] - الوسائل : ج 17 ص 284 ، ح 6 . [2] - المصدر نفسه : ص 298 ، ح 2 . [3] - المصدر نفسه : ص 303 - 304 ، ح 1 .