ثمّ إنّ مقتضى القاعدة مع الغضّ عن تينك الروايتين أن يقال : هنا صلاتان قد نصّت الأخبار بامتداد الوقت بالنسبة إلى كليهما إلى الغروب ، وبلزوم الترتيب في ما بينهما مع إمكانه ، أمّا مع عدم إمكانه كما في الوقت الذي لا يسع كليهما ويدور الأمر بين إتيان أحدهما وترك الآخر فلا دلالة لأدلَّة الترتيب على اعتباره ، لأنّه مع فرض سعة الوقت ، وحينئذ فيحتمل أن يكون الوقت للظهر خاصّة لأهميّته وأن يكون للعصر كذلك ، وأن يكون المكلَّف بالخيار . لا يقال : كما أنّ الآتية المركَّبة من الذهب والفضّة يستفاد حكمها من دليل الذهب الخالص والفضّة الخالصة ، كذلك الترتيب في هذا الفرض الذي هو مركَّب من داخل الوقت وخارجه يستفاد من أدلَّة اعتبار الترتيب في الداخلين وأدلَّة اعتباره في الخارجين . لأنّا نقول : في ذاك الموضع ليس في البين احتمال آخر ، وأمّا في هذا الموضع فيحتمل أن يكون رعاية وقت العصر في نظر الشارع أهمّ من رعاية الترتيب ، ومع هذا الاحتمال كيف نحكم بتعيّن الظهر ولا دليل في البين يرفع الاحتمال المزبور بعمومه أو إطلاقه أو نصوصيّته ؟ فلم يبق إلَّا القول بالتخيير ، لعدم العلم بالأهميّة في ما بينهما ، كما هو الحال في كلّ واجبين متزاحمين ، ولكنّ الذي سهّل الخطب هو وجود الخبرين الأوّلين الناصّين بتقديم العصر وتخصيص الوقت إيّاه . وما ذكرنا هو الموافق للتحقيق ، خلافا لما عن بعض أجلَّة العلماء في كتاب صلاته ، حيث ذهب إلى اشتراك الوقت ، بمعنى صلاحيّته من الزوال إلى الغروب لكلّ من الظهر والعصر ، إلَّا أنّه بحسب الفعليّة قد اختصّ الظهر من الأوّل بمقدار أدائه كذلك ، والعصر من الآخر ، وجعل هذا قضيّة ما دلّ على أنّ وقت الظهر من الزوال