وقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ ميزان حسن العمل ومقدار حسنه هو الداعي الأقصى ، أعني : ما هو داعي الدواعي في نفسه ، فإن كان أمرا راجحا صار موجبا لمزيّة العمل ورجحانه ، وإن كان قبيحا رديّا صار موجبا لقبحه ورداءته ، وإن كان لا حسن فيه ولا قبح فلا حسن ولا قبح في العمل ، وإن كان الداعي المتوسّط بين العمل وبين الداعي الأقصى حسنا ، مثلا لو أوعده إنسان بمال كثير لو صلَّى امتثالا لأمر الله تعالى ففعل بداعي وصوله إلى ذلك المال فهو وإن تحقّق في نفسه حقيقة امتثال أمر الله ، ولكن لمّا كان الداعي الأقصى الذي هو المحرّك الأصلي له هو الوصول إلى المال وهو أمر مباح فلا يتحقّق حقيقة العباديّة في حقّه . وعلى هذا فلا يرد النقض بالصلاة عن رياء ، فإنّ الداعي الأقصى للمرائي هو الرياء ، وهو غير مربوط بالمولى ، وقد كان المعيار هو ارتباطه ، نعم يبقى الكلام في العبادات الاستيجاريّة وكيفيّة تصحيحها ، وهو موكول إلى مقام آخر . هذا تمام الكلام باعتبار نفس النيّة التي هي أمر بسيط . وأمّا كيفيّتها باعتبار المنويّ فلا إشكال في لزوم قصد التعيين ، أعني : تعيين المأمور به ، لأنّه إن لم يتصوّره معيّنا بقيوده ومشخّصاته لما يدعوه إلى العمل أمره المتعلَّق بخصوصه ، وهذا واضح . ولا يخفى أنّ اللازم أعمّ من التعيين التفصيلي والإجمالي ، كما إذا قصد في صورة اتّحاد الواجب في ذمّته ما هو الواجب عليّ في الحال ، مثلا إذا كان عليه درهم واحد ولا يعلم أنّه من زيد أو من عمرو فيعطيه ممّن هو وكيلهما بقصد أداء ما في ذمّته في الحال ، فيقع عنه أيّا ما كان واقعا ، ولا إشكال في هذا أيضا . إنّما الكلام هنا في مقامات : الأوّل في تعيين الظهريّة والعصريّة ، والثاني : في تعيين الأدائيّة والقضائيّة ، والثالث : في تعيين الوجوب والندب ، والرابع : في قصد التمييز .