لكن هذه النتيجة لا اختيار فيها بعد حصول الاختيار في مقدّمتها . وبعبارة أخرى : هذه المقدّمة ليست كركوب الدابّة المغصوبة في طريق الحجّ مع عدم الانحصار ، فإنّ هناك للمكلَّف اختيار آخر بعد تماميّة الركوب بصرفه في عمل الحجّ ، ولهذا يحصل له الحسن الفاعلي الذي هو أحد ركني العبادة بواسطة هذا الاختيار الثانوي الذي نشأ من مبدأ حسن ، فإنّ قوام المقرّبيّة والعبادية بشيئين : أحدهما : ترتّب الثمرة المطلوبة للمولى على العمل ، والآخر : كون الداعي للفاعل إلى العمل أيضا داعيا راجعا إلى المولى ورعاية جانبه وحفظ مقامه ، لا ناشئا عن الشهوة فضلا عن المعصية أو العناد والبغض للمولى ، فهذان الأمران في مثال الحجّ يحصلان كلاهما بعد الركوب . وأمّا في هذا المقام فليس للعبد اختيار آخر وقدرة أخرى يصرفه للمولى حتّى يحصل له الحسن الفاعلي الذي هو القدر المشترك بين الانقياد والعبادة ، نعم قد تحقّق عقيب اختياره الأوّل الذي فرض نشوه عن محض تمرّده على المولى وعصيانه واتّباعه لشهوته نتيجة مطلوبة للمولى قهرا وبلا اختيار آخر في حصولها . وإن شئت توضيح المقام بالمثال فافرض أنّ صبغ ثوب بالحمرة مطلوب للمولى ويثيب من أوجده طلبا لمرضاته ، ثمّ إنّ العبد قتل ابن المولى وصبغ الثوب بهذا العمل المبغوض ، فهل ترى أنّه يحصل له بواسطة هذا الصبغ الحاصل من إراقة دم الابن أجر وثواب عند المولى مقرونا مع عتابه وعقابه على إراقة دم مهجة قلبه ؟ كلَّا وحاشا . فإن قلت : لو فرضنا المقدّمة فعلا مباحا في حدّ نفسه فلا إشكال في حصول القرب بواسطة ترتّب مسبّبه عليه إذا أتى به بقصد ترتّب ذلك المسبّب ، فكما صار المباح واسطة لعباديّة المسبّب ومقرّبيّته ، فكذلك لا مانع في المقام أن يكون هذا