قلت : لا شك في أن اللَّه تعالى ولى كل ولى ، ومالك الملوك ، وصاحب كل حق ، وذي حق ، فلو اقتضت الحكمة أن يعفو عن حقوق الناس الثابتة على الكافر في حال كفره بعد إسلامه فلا مانع منه . مضافا إلى أنه يمكن أن يرضى اللَّه تعالى في الآخرة أرباب الحقوق عن الجاني ببذل عطاياه الجزيلة ومواهبه الكثيرة إياه أضعافا مضاعفة عما استقر على ذمة الكافر الذي أسلم . ولكن الأقوى في النظر أنه لا يمكن الالتزام بجريان هذه القاعدة في مثل هذه الأمور - اعني حقوق الناس - أصلا ، وذلك لأنها امتنانية ولا تجري في مورد كان جريانها فيه على خلاف الامتنان ، فحقوق الناس خارجة عن حيز الدليل ، وخروجها عن دائرته ليس تخصيصا بل يكون تخصصا لأن جبها عن الكافر الذي اختار الإسلام وإن كان امتنانا عليه لكن يكون خلاف الامتنان بالنسبة إلى صاحب الحق ، لأنه إضرار عليه ، فلا وجه للامتنان عليه مع معارضته بلزوم خلاف الامتنان على صاحب الحق . وبالجملة الحكم الذي شرع امتنانا على العباد لا يلاحظ فيه شخص دون شخص ، أفهل ترى : أن الإسلام ينفع الكافر الذي أسلم ويضر صاحب الحق ! . ويمكن أن يفرض أن صاحب الحق أيضا ، كان كافرا فأسلما معا ، فكيف يمكن القول بأن الإسلام نفع أحدهما وأضر بالآخر ، فعلى هذا لا يمكن الالتزام بجريانها في حقوق الناس الثابتة عليه في حال كفره بعد إسلامه . وأما عدم أمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وآله - بعد إسلامه بدفع هذه الحقوق الثابتة عليه في حال كفره فلعله كان برضى من صاحب الحق ، أو كان من جهة عفوه - صلى اللَّه عليه وآله - باعتبار أنه ولى الجميع ، فله العفو عن حقوق الغير عند اقتضاء المصلحة له أو كان في مطالبته لهم خوف رجوعهم إلى الكفر . هذا كله مضافا إلى أنه لم يثبت أنه - صلى اللَّه عليه وآله - لم يكن يأمرهم بدفعها وصرف عدم وجداننا له أثرا في الأخبار والتواريخ وعدم سماعنا لذلك لا يدل على نفيه ، فان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود .