ثابت على ذلك ، وضعت الهيئة للدلالة عليه ، ونسميه بالدلالة التصديقية ، فهنا نسبة وطرفاها والتصديق بثبوتها لهما ، ولكل منها دال ، وليس في البين حمل إلا بالتأويل والاستمداد من الكون الرابط ، وفي مثل زيد موجود أو الله موجود أو عالم الواقع ليس إلا الاتحاد بين العنوانين المنتزعين أو المدركين ، فلو أريد من ذلك زيد له الوجود ، أو الله جل جلاله له الوجود ، أو العلم ، فهي خلاف الواقع ، وخلاف ما كان المتكلم بصدد بيانه ، مع أنه يلزم من الأول زيادة الوجود عن الماهية وأصالتها كالوجود ، ومن الثاني أن يكون البارئ جل اسمه معروضا لعوارض قد برهن فساد كل منها في محله ( 1 ) ، وهكذا الحال في الحمل الأولي الذاتي ، كحمل الحد على المحدود ، وما كان كذلك من الحمل الشائع ، كحمل الذاتيات على الشئ . وأما في موارد الهليات المركبة ك زيد قائم ، فالأمر أيضا كذلك وإن لم يلزم منه تلك الاستحالات ، فإن الواقع هو الاتحاد ، لا الربط بين الموضوع والمحمول ، والمتكلم في مقام بيان هذا الاتحاد والهوهوية . فلو أخذت النسبة بينهما في الملفوظة تكون خلاف الواقع ، ففي هذا القسم من الحمل - الذي هو الحمل الحقيقي - موضوع ومحمول ، ولكل منهما دال ، والهيئة دالة على الهوهوية التصديقية ، وفي مثل زيد القائم الهيئة دالة على الهوهوية التصورية ( 2 ) .
1 - شرح المنظومة ( قسم الحكمة ) : 5 و 154 . 2 - أقول تتميما لما استفدته مما أفاده مد ظله : إن الهيئة غير دالة إلا على التصديق بمفاد الجملة ، وهي مشتركة بين جميع ما أفيد من القضايا ، ويعبر عنها ب است بالفارسية ، كما أنها موجودة في القضايا السالبة أيضا ، مع أنه لا هو هوية فيها . وأما الاتحاد والهوهوية فيفهم من مقام الحمل الموجود في زيد القائم أيضا فهنا دوال أربعة : زيد والقائم والحمل والهيئة ، وهذا بخلاف القسم الأول ، فإن الحمل غير موجود هناك ، بل الموجود فيه الربط والنسبة . فتحصل : أن في القسم الأول منسوبا ومنسوبا إليه والنسبة والتصديق بها ، وفي القسم الثاني محمولا وموضوعا والحمل والتصديق به ، ولذا كان الأنسب تسمية القضايا في القسم الأول بالقضايا النسبية ، وفي القسم الثاني بالقضايا الحملية . ولو قيل : بأن الحمل أيضا قسم من النسبة - وهي النسبة الاتحادية ، فإنها تدل على اتحاد العنوانين المتغايرين بحسب المفهوم خارجا - لم يكن به بأس ، والجهات في القضايا الموجهة - ك زيد كاتب بالامكان - راجعة إلى هذا المعنى من النسبة ، والشك والظن والقطع متعلقة بها أيضا . ولعل القوم أيضا أرادوا ب النسبة ذلك ، فيصبح النزاع لفظيا . وعلى أي تقدير لا بد من التفصيل المذكور الذي أفاده دام ظله ، فإن القسم الأول مما أفاد لا حمل فيه إلا مؤولا ، والأمر ظاهر . وهنا نكتة لا بأس بالتنبه إليها : وهي أن المحكي بالقضية ليس هو الخارج أو الواقع ، فإنه قد لا يكون للقضية واقع أصلا ، بل في نفس القضية يحكم بعدم الواقع ، كالقضايا السالبة والموجبة المعدولة المحمول ، بل المحكي بها هي المفاهيم ، فمحكي زيد مفهومه ، كما أن محكي شريك الباري أيضا مفهومه ، لا أريد من المفهوم الوجود الذهني ، بل أريد منه ما هو منسلخ عنه قابل للانطباق عليه ، الذي قد يعبرون عنه بالماهية ، ولذا يقال : إن الألفاظ موضوعة للمفاهيم ، والوجود الخارجي أو الذهني غير دخيلين في الموضوع له ، ف زيد قائم قضية مركبة مما دل على مفهوم زيد ، وهو الموضوع ، وما دل على مفهوم القائم ، وهو المحمول ، ومما دل على اتحادهما ، وهو الحمل ، وما دل على التصديق بالحمل ، وهي الهيئة . وأما خصوصية الخارجية فتفهم من المقام ، بمعنى أنه - مع إمكان تطبيق أجزاء القضية على الخارج ، ووجود المصداق لها خارجا - العقلاء يفهمون من القضية الاتحاد الخارجي ، وإلا فلا يفهمون منها إلا مجرد المفهوم . وقد ظهر : أن معنى قضية شريك الباري ممتنع - مثلا - اتحاد مفهوم شريك الباري و الممتنع ، وبهذا أيضا يمكن تصوير النسبة الاتحادية ، فإن المفهومين المحكيين متغايران ، فليتدبر . المقرر حفظه الله .