عمّا هو قضيّة طبعهما لا يصدر من المتكلَّم بهما إلَّا مع قيام داع في التفكيك المذكور كما في مقام الهزل ، وأمّا بدون هذا الداعي فاللفظ أبدا جار على ما هو قضيّة طبعه ، وهذا معنى أصالة الجدّ في عامّة الألفاظ . فنقول : المكره لا داعي له إلى هذا التفكيك إلَّا توهّم أنّه يخلصه من مكروه طبعه وهو ما أكرهه عليه المكره من بيع داره مثلا ، وهو فاسد ، فإنّ المحذور الذي يكون فعلا محلّ ابتلاء المكره ، ويتمهّد الحيلة للفرار عنه خروجه عن داره وبقاؤه بلا منزل ومسكن ، ومعلوم أنّ هذا لا يحصل الفرار منه بتجريد اللفظ عن الجدّ ، لأنّ المحذور المذكور حاصل على أيّ حال . فإن قلت : يكفي في الداعي أنّ المال باق على ملكيّته على فرض التجريد وخارج عنه مع عدمه ، فلعلَّه يقدر على أخذ ماله بعد ذلك فيتمكَّن منه على تقدير بقائه في ملكه . قلت : هذا التمكَّن حاصل على أيّ حال ، لأنّه قادر على التقدير الآخر على الردّ بواسطة عدم إمضاء عقده ، هذا ما قاله شيخنا الأستاذ - دام بقاه - ، لكنّه كما ترى غير خال عن الخدشة ، والأولى أن يقال : إنّه وإن كان متمكَّنا من عدم القصد ولم يكن إكراه بالنسبة إلى هذا الجزء الباطني ، وبعبارة أخرى يعتبر في صدق عنوان الإكراه عدم إمكان التفصّي والتورية ، وتجريد اللفظ عن معناه قسم من التفصّي فمع إمكانه لا يصدق عنوان الإكراه . لكنّه يكفي في إكراهيّة العقد حصول أحد أجزائه عن إكراه ، ولا شبهة في حصول اللفظ عن الإكراه ، فهذا الجزء يكون مرتفع الأثر فيبقى الجزء الباطني قصدا خاليا مجرّدا عن المظهر اللفظي . الأمر الثاني : لا فرق بين المكره والمضطرّ في أنّ كلا منهما غير طيّب النفس