وهكذا الكلام في قوله تعالى : « إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ » فإنّه وإن كان استثناء منقطعا ، لكنّه في نفسه قضيّة مستقلَّة دالَّة على جواز الأكل بسبب التجارة ، ولا شكّ أنّ البيع المعاطاتي تجارة ، والمراد بالأكل ليس هو المضغ ، بل مطلق التصرّفات ومن جملتها ما يتوقّف على الملك ، كالوطي ونحوه ، إلى آخر ما ذكر في الآية المتقدّمة . وقد يستدلّ للمقام أيضا بقاعدة التسليط : « الناس مسلَّطون على أموالهم » وتقريبه : أنّ مقتضى هذه القاعدة ثبوت السلطنة لكلّ أحد على أمواله . بمعنى أنّه يجوز له التصرّف فيها كيفما شاء ولو كان تصرّفه نقلا إلى الغير بالبيع المعاطاتي . ولا شكّ أنّ عدم جواز النقل على هذا الوجه ينافي السلطنة المطلقة . فإن قلت : المستفاد من القاعدة إنّما هو جواز أنواع التسلَّطات التي من جملتها التسلَّط على النقل ، وأمّا إنّ سبب النقل ماذا ؟ فهي ساكتة عنه ، فالقاعدة واردة في مقام تشريع نوع التصرّف لا في مقام تشريع الأسباب . قلت : إذا أنت تسلَّمت دلالة هذه القاعدة على مشروعية النوع فلم امتنعت عن دلالتها على مشروعية الصنف ، فلو كان مشروعيّة نوع النقل مستفادة من القاعدة كان مشروعيّة النقل على وجه البيع المعاطاتي أيضا كذلك . لكنّ الذي يمكن أن يقال : هو أنّ القاعدة واردة في مقام تشريع السلطنة على المال لمالكه من حيث إنّه مالكه بعد الفراغ عن مشروعيّة نفس التصرّف والعمل ، فيستفاد منها أنّ المالك أحقّ بإعمال التصرّفات المشروعة في ماله من غيره ، وليس لأحد مزاحمته فيها ، وله مزاحمة غيره . فإن قلت : إذا كان مشروعيّة نفس العمل مستفادة من الخارج كانت السلطنة أيضا كذلك ، فلا حاجة في إحرازها إلى القاعدة .