وثالثاً التنظير في قوله : " . . . فكان الحكم من تلك الجهة نظير سائر الأصول العمليّة . . . " لو لم يكن مضرّاً بالمقصود ، فهو غير مفيد لأنّه يتوهّم منه أنّ مراده من ذلك ، هو أنّ حكم القاضي أصل كسائر الأصول ولذا ، فهو لا يثبت أحكاماً عاديّة أو عرفيّة . والحقّ أنّه لا أصل ولا أمارة ، كما سيأتي تحقيقه . ولكن مقصوده ( رحمه الله ) أنّه كما أنّ الأصول لا تثبت أكثر من موردها فكذلك هنا . وقال المحقّق الرشتي ( رحمه الله ) ما مؤدّاه : هل المراد من حرمة النقض ترتيب جميع آثار المحكوم به على المورد الخاصّ أو الموارد المشابهة له ؟ أم المراد جعل تلك الآثار بالنسبة إلى رفع الخصومة فقط ؟ مثلاً إذا اختلف البايع والمشتري في طهارة المبيع ونجاسته ، لأنّه عصير عنبي ذهب ثلثاه بفعل حرارة الشمس ، ثمّ حكم القاضي بطهارته ، فهل تثبت طهارة كلّ عصير اتّصف بمثل هذه الصفات ؟ أم جميع الآثار الخاصّة بهذا العصير مثل الشرب وغيره ؟ أم ذلك القدر المتعلّق برفع الخصومة من قبيل صحّة البيع وتملّك البايع للثمن ؛ وأمّا سائر الآثار فيتوقّف على رأيه أو رأي مقلّده بطهارته ؟ وأخيراً يختار المحقّق الرشتي ( رحمه الله ) الرأي الثاني ويقول : إنّ الأدلّة لا تثبت أكثر من ذلك . [1] وفيه : أنّ هذا الرأي وإن كان صحيحاً ، ولكنّه ليس من جهة كون الحكم من قبيل الأصول ، بحيث لو كان من قبيل الأمارات لانعكس الأمر ، لترتيب الآثار الشرعيّة والعاديّة والعرفيّة فيها . لأنّ الحكم ليس من قبيل الأصول ، كما أنّه ليس من قبيل الأمارات ؛ بل الحكم حجّة للمتخاصمين سواء كانا شاكّين أم لم يكونا ، والأصول والأمارات حجّتان للشاكّ . بل السرّ هو كونه لرفع الخصومة والاختلاف ، ولا يثبت أكثر من هذا . وأمّا الآثار الأخر ، كالأكل والشرب والصلاة فيه وغيرها ، فإنّها أجنبيّة عن الحكم ، وهذا واضح للمتأمّل .