وشعب غني ، ولا شعب أُمي وشعب مثقّف ، ولا شعب تختلف اقتصادياته أو سياسياته أو ثقافياته أو إجتماعياته أو سائر شؤونه كشؤون التربية والسلوك وما أشبه ذلك عن شعب آخر ، أي : كما كان عليه الحال قبل الآلة الحديثة ، حيث الأسفار البعيدة ، والاتصالات المنقطعة أو شبه المنقطعة ، وإنما يكون الانتماء للعالم كلَّه كالانتماء إلى دولة واحدة كلها ، فكما يقال : بغدادي وبصري ، يقال : عراقي ومصري ، أو شرقي وغربي أو ما شابه ذلك ، فإن البلاد وإن كانت مختلفة ولم يتصل بعضها ببعض ، لكنّ الفكر يكون واحداً ، والاتصال موجوداً ، ويبقى الاختلاف قليلا وبشكل جزئي في بعض النقاط وفي المناطق الصغيرة من أطراف العالم . أما الاختلاف في العالم وعلى نحو عام وكلي فلا يكون ، حيث تتداخل السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع وغير ذلك بعضها في بعض ، وتؤثر جميعاً على حياة الإنسان في الأرض أينما كانوا وحيثما حلوا ونزلوا ، وذلك من دون اعتداد قابل للذكر بالحدود السياسية لدول ذات السيادة ، أو الانتماء إلى وطن محدّد أو لدولة معيّنة ، ومن دون حاجة إلى إجراءات حكومية خاصة ، ولا إلى تعديل الإجراءات وتوحيدها أو تعديل الحكومات وتوحيدها ، لأنها رغم كثرتها وتعددها تكون واحدة من حيث السلوك والأسلوب نوعاً ما ، وإذا كان بينها اختلاف يكون الاختلاف عندها من نوع الاختلاف في الولايات ، لا كالاختلاف في الدول . إذن : العولمة التي أصبحت اليوم كلمة شائعة في العلوم الاجتماعية ، ومستخدمة كثيراً في الأدب المعاصر ، يمكن تعريفها بما يلي : إعطاء الشيء صفة العالمية ، من حيث النطاق والتطبيق .