وقال - رحمه اللّه - في تذييلة لما تقدم : اعلم أن اللّه سبحانه أكد في هذه السورة الشريفة للأمر الذي نزلت فيه - وهو وجوب صلاة الجمعة تقدمة وتذييلاً - أنواعاً من التأكيد . لم يأت بها في شيء من العبادات فيدل على أنه آكدها وأفضلها عنده ، وأحبها إليه وذلك من وجوه : أولها : أنزل سورة مخصوصة لذلك ولم ينزل في غيره سورة . الثاني : أنه قدّم قبل الآية المسوقة لذلك آيات كلها معدّات لقبولها والاتيان بها ، حيث افتتح السورة بأن جميع ما في السماوات والأرض تسبح له ، فينبغي للانسان الذي هو أشرف المخلوقات أن لا يقصر عنها بل يكون تنزيهه له سبحانه وطاعته له أكثر منها . ثم وصف سبحانه نفسه بأنه ملك العالم ويجب على جميع الخلق طاعته ثم بأنه القدوس المنزّه عن الظلم العبث . بل إنما كلّفهم بالطاعات لأعظم المصالح ولوصولهم إلى درجات السعادات . ثم هدّدهم بأنه عزيز غالب قادر مع مخالفتهم على عقوبتهم في الدنيا والآخرة وأنه حكيم لا يفعل شيئاً ولا يأمر ولا ينهى إلا لحكمة ، فلا ينبغي أن يتجاوز عن مقتضى أمره ونهيه . ثم ذكر امتناعه على عباده بأنه بعث في قوم أميين عارين عن العلوم والمعارف رسولاً منهم ، ليكون أدعى لهم إلى قبول قوله : يتلو عليهم آياته المشتملة على مصالحهم ويطهرهم من الصفات الذميمة والنقائص والجهالات ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ، ولقد كانوا من قبله لفي ضلال مبين عن الملة والشريعة ، فلا بد لهم من قبول قوله في كل ما يأمرهم به ومنها هذه الصلاة . ثم بيّن أن شريعة هذا النبي وأحكامه لا تختص بقوم ولا بالموجودين في زمانه ، بل شريعته باقية وحلاله حلال وحرامه حرام إلى يوم القيامة . رداً على