من يزعم أن الخطاب مخصوص بالموجودين ، فقال « وآخر منهم » أي ويعلم آخرين من المؤمنين « لما يلحقوا بهم » وهم كل من بعد الصحابة إلى يوم القيامة . ثم هدّد وحثّ بوصف نفسه سبحانه مرة أخرى بالعزيز الحكيم ، ثم عظم شأن النبوة لئلاّ يجوّزوا مخالفة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فيما أتى به من الشرائع ، ثم ذم الحاملين للتوراة ، العالمين غير العاملين به ، تعريضاً لعلماء السوء مطلقاً بأنهم لعدم عملهم بعلمهم كالحمار يحمل أسفاراً . ثم أوعد بالموت الذي لا بد من لقائه وبما يتبعه من العذاب والعقاب ونبههم على أن ولاية اللّه لا تنال إلا بالعمل بأوامره سبحانه واجتناب مساخطه ، وليس ذلك بالعلم فقط ولا بمحض الدعوى . ثم لما مهد جميع ذلك خاطبهم بما هو المقصود من السورة أحسن خطاب وألطفه . الثالث : أنه سبحانه أكد في نفس الآية المنزلة لذلك ضروباً من التأكيد : الأول : إقباله تبارك وتعالى إليهم بالخطاب ، تنشيطاً للمكلفين وجبراً لكلفة التكليف بلذة المخاطبة . الثاني : أنه ناداهم بياء الموضوعة لنداء البعيد ، تعظيماً لشأن المنادي له ، وتنبيهاً على أنه من العظم والجلالة بحيث المخاطب في غفلة منه وبعد عنه وإن كان في نهاية التيقظ والتذكر له . الثالث : أنه أطنب الكلام تعظيماً لشأن ما فيه الكلام وايماء إلى أنه من الشرافة والكرامة بحيث يتلذذ المتكلم بما تكلم فيه كما يتلذذ بذكر المحبوبين ووصفهم بصفاتهم والاطناب في أحوالهم . الرابع : أنه أجمل أولاً المنادي حيث عبّر ب « أي » العامة لكل شيء تخييلاً ، لأن هذا الأمر لعظم شأنه مما لا يمكن المتكلم أن يعلم أول الأمر وبادئ الرأي أنه بمن يليق ومن يكون له ؟ حتى إذا تفكر وتدبر علم من يصلح له ويليق به .