المتطاولة زادت جهات القبول وتضاعفت أسباب الصحّة ، ولذلك ترى المشهورين من أهل اللغة يرجعون الناس إليهم في تفسير اللغات قديماً وحديثاً موافقاً ومخالفاً في كلّ عصرٍ وزمان ، وترى علماءنا من قديم العصر إلى هذا الزمان يعوّلون في تفسير اللغات العربيّة الغريبة على تفسيراتهم وتعبيراتهم ويستدلُّون بذلك ويستندون إليه في مبادئ الأحكام الشرعيّة ، وكتب الأصحاب مشحونة بذلك ، وقد أفْرَط بعض أصحابنا السابقين في هذا الباب ، فرجَّحَ تفسير بعض أهل اللغة كأبي عبيد الهروي وابن فارسٍ على تفسير ابن بابويه مع كونه من عُظماء الفقهاء والمحدِّثين بأنّ أهلَ اللغة أقوَمُ بهذا الشأن ، وأعرفُ بهذه الصنعة ، ومِن هذا الإفراط سخط ابن إدريس للشيخ أبي جعفر الطوسي حكاية القائد عبد الرحمن بن عَتّاب بمكَّة [1] ، بأنّه مخالف لِما ذكر البلاذُري أنّها وَقَعت باليمامة والبلاذُري أبصر بهذا الشأن لأنّه من أهل فنّ السيرة ؛ ومن هذا الباب كانت مراجعة المسلمين إلى أطبّاء اليهود والنصارى عند حذاقتهم وثقتهم في صدر الأزمان من غير نكيرٍ ، وهذه القاعدة كانت مستمرّة معمولةً بين العامّة أيضاً فإنّهم يرجعون ويَسْتندون في تفسير اللغات إلى لُغَويّة الخاصّة كالخليل وابن
[1] السرائر ، ج 1 ، ص 168167 ؛ أنساب الأشراف ، ج 1 ، ص 456 ، القسم الرابع ؛ الجَمَل ، ص 364 ؛ جمهرة النسب ، ص 48 ؛ الأخبار الطوال ، ص 146 ، ذكر المسعودي هذه الحكاية هكذا : « عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن اميّة وهو قتيل يوم الجمل وأصيب كفَّ ابن عتّاب بمِنىً ( وقيل باليمامة ) ، ألْقَتْها عُقاب وفيها خاتم نقشُه « عبد الرحمن بن عتّاب » وكان اليوم الذي وُجد فيه الكفُّ ، بعد يوم الجمل بثلاثة أيّام » ، مروج الذهب ، ج 2 ، ص 380 .