وبالجملة ، شيوع التغنّي بالمهليات من الأصوات بلغ حدّا حتى صار إطلاق الغناء على هذا الفرد حقيقة عرفية ، وهذا يظهر لمن تتبّع التواريخ والسير . فالمراد من الغناء في الأحاديث التي وردت في ذمّه إنّما هو الغناء العرفي - أعني الأصوات الملهية التي يزيّنها ضرب آلات اللهو والتصدية والرقص - والمراد منه في الأحاديث التي وردت في إباحته ومدحه إنّما هو الغناء بالمعنى اللغوي ، ونبيّنه حقّ التبيين في أثناء ذكر الأحاديث ، خصوصا حديث ابن سنان بحيث يرتضيه العاقل المنصف ويقبله الجاهل المتعنّت ، لظهور شأنه وسطوع برهانه ، إن شاء اللَّه العزيز . المقصد الأوّل في ذكر الأحاديث الواردة في باب الغناء وتحقيق ما هو المراد منها منها : ما رواه علي بن جعفر عن أخيه قال : سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح ؟ قال : « لا بأس به ما لم يعص به » . [1] وفي الكافي عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام : إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال : إنّما ترائي بهذا أهلك والناس ، قال : « يا أبا محمّد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك ورجّع بالقرآن صوتك فإنّ اللَّه عزّ وجلّ يحبّ الصوت الحسن يرجّع به ترجيعا » . [2] أقول : هذا صريح في استحباب التغنّي بالقرآن بالمعنى اللغوي ، و
[1] قرب الإسناد ، ص 121 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 122 ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، ح 5 . [2] الكافي ، ج 2 ، ص 616 ، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن ، ح 13 .