الإنصاف للتشكيك فيه ؛ لدلالته على أنّ هذا الفعل كفعل أهل الفسوق و الكبائر ، و عدم جواز التراقي و قلب قلوبهم و قلوب من يعجبه فعلهم . و أيّ مبالغة أعظم من ذلك في الترهيب عنه و التنفير منه و الحكم بتحريمه . و هل قلب القلوب إلَّا علامة الكفر أو النفاق ؟ كما هو مذكور مأثور . [1] و أمّا تخصيص من خصّه بمن يلعب بالملاهي فباطل لا وجه له ؛ إذ لا يعهد أن يقرأ أحد القرآن لاعبا بالمثاني [2] و العود و الطنبور . و يلزم تخصيص الغناء في جميع أقسامه بهذه الصورة لاتّحاد الطريق ، و هو خلاف النصّ و الإجماع حيث دلَّا على تحريم كلّ ما يصدق عليه الغناء . و هذا التخصيص مذهب بعض الملاحدة و الصوفية من المخالفين كالغزّالي و أضرابه ؛ فإنّه خصّه بما يعمل في مجالس الشرب [3] ؛ لإعراضهم عن قبول المأثور عن الأئمّة عليهم السّلام ، و قلَّده في ذلك من أحسن الظنّ به و بأمثاله من أعداء اللَّه و أعداء أهل البيت عليهم السّلام . مع أنّ هؤلاء قد أساؤوا الظنّ بالأئمّة و شيعتهم ، فدخل الشيطان على بعض ضعفاء الشيعة حتى أحسنوا الظنّ بهم ، فصاروا يقبلون كلامهم و إن خالف كلام أهل العصمة . و من أنصف جزم بصحّة هذا الكلام و صدق النقل عنهم . و بالجملة ، فالغناء صادق على الترجيع المذكور ألبتّة ؛ لأنّه مطابق لنصّ أهل اللغة و الفقهاء ، و موافق للعرف في بلاد العرب و غيرها ، بل يفهم من كلام الصوفية أنّ مثله غناء و إن انفرد عن مجالس الشرب و الملاهي ، حيث قالوا : « إنّ من أسباب الجذبة التي تحصل للمريد سماع الغناء » . [4] و على كلّ حال ، فكونه غناء على التعريفين لا شكّ فيه لمن ترك التعصّب
[1] بحار الأنوار ، ج 70 ، ص 50 - 52 ، ح 9 - 10 ، نقلا عن معاني الأخبار . [2] « المثنى من الأوتار : الذي بعد الأوّل ، ج : مثان » ( المعجم الوسيط ، ج 1 ، ص 102 ، « ثني » ) . [3] إحياء علوم الدين ، ج 2 ، ص 296 . [4] مرصاد العباد ، ص 364 .