و بالجملة ، فالصحيح عند المتقدّمين هو ما دلَّت القرائن على ثبوته عنهم عليهم السّلام و لم يعارض بما هو أقوى منه ، و الضعيف ما لم تدلّ القرائن على صحّته ، أو دلَّت على ثبوته مع وجود المعارض المذكور ، غير أنّ القسم الأوّل من الضعيف لم يثبتوه في كتبنا المعتمدة ، كما يظهر لمن عرف حال المتقدّمين ، فأحاديث الكتب الأربعة و أمثالها محفوفة بالقرائن الدالَّة على صحّتها ممّا تقدّم و غيره ؛ لكن يجب النظر في تعارضها و في فهم معانيها ، و العمل بوجوه الترجيح المنصوصة عنهم عليهم السّلام ، فبعضها ضعيف بالنسبة إلى قوّة معارضه . و إذا تقرّر هذا تبيّن ضعف الحديث المسؤول عنه عند الأخباريّين و الأصوليّين معا ، من حيث قوّة معارضه و عدم جواز العمل بظاهره ، و إن ثبت مضمونه على وجه من التأويل و من جهة ضعف سنده ، كما عرفت . و ما قلناه مستفاد من كلام جماعة من علمائنا المتقدّمين و المتأخّرين ، و من تتبّع الأحاديث و غيرها . و يأتي زيادة بيان لذلك إن شاء اللَّه تعالى بحسب ما يقتضيه المقام . و اعلم أنّ إيراد الكليني رحمه اللَّه لهذا الحديث لا قصور فيه ؛ لأنّه أورد قبله في هذا الباب ما هو صريح في معارضته في خصوص هذه الصورة [1] ، و أورد في باب الغناء ما يزيل عن سامعه كلّ ريب و شبهة . [2] و الحديث المسؤول عنه أخّره إلى آخر الباب و جعل العنوان « ترتيل القرآن بالصوت الحسن » ، و هو لا يستلزم كونه غناء . فعلم أنّه فهم من أحاديث ذلك الباب هذا القدر لا ظاهر الأخير ، و أورده على عادتهم من إيراد الأحاديث المخالفة لما عليه العمل في آخر الأبواب و التعرّض لتأويلها [3] ، و لعلَّه ترك تأويله لظهوره عنده ، و لمخالفته للضروريات ، و قرّب حمله على التقية و غيرها ممّا يأتي . و لهذا نظائر في الكافي و غيره .
[1] الكافي ، ج 2 ، ص 614 ، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن ، ح 3 . [2] الكافي ، ج 6 ، ص 431 - 435 ، باب الغناء . [3] هكذا قال أيضا في الاثنا عشرية ص 143 ، و فيه : « و التعرّض لتأويلها إن اقتضاه الحال » .