من الاستعمال ، بدعوى أنّ الأفعال التدريجية التي يتحقّق صدق المهية بأوّل ما يوجد منها يخصّ الحكم المتعلّق بها بأوّل مصداقها وبأوّل ما تحقّق هي في ضمنه ، والبقية التي نتبعها إنّما هي من مشخّصات الفرد ، ولا ربط لها بتحقّق المهية فلا يتعلّق بها حكمها . والمقام أيضاً من هذا القبيل ، لأنّ المحرّم إنّما هو استعمال الآنية ولا شكّ في تحقّق الاستعمال بنفس الأخذ منها ، فيكون المحرّم هو وحده ويكون ما تتبعه من الأفعال محلّلة ، لأنّها ليست استعمالا للآنية ، لتحقّق طبيعة الاستعمال قبلها ، وإنّما هي اُمور متعقّبة لاستعمالها ومترتّبة عليه لا أنّها نفسه . ولعلّه لذا أو لغيره أفتى القوم بصحّة الوضوء حتى ادّعي عدم الخلاف في صحّته وإن كان الوجه الأخير لا يخلو عن سماجة ، إذ بعد أن جعلنا مجموع الأفعال التدريجية الموجودة فرداً واحداً من الطبيعة ، فاختصاص أوّل ما يوجد منها بحكم الطبيعة وتخلية البقية عنه مع كون الطبيعة موجودة بوجود الفرد وفي ضمنه لا يخلو عن منافرة ، إذ بين الدعويين وهو دعوى تحقّق الطبيعة بأوّل الأفعال ودعوى كون المجموع فرداً واحداً للطبيعة مباينة تامّة . كما أنّ الفرق بين الأكل وغيره من الاستعمالات بحمل الاستعمال فيه على العرفي وفي غيره على الحقيقي أيضاً سماجة ، وإن كان أسهل من سابقه ، لإمكان أن يقال : إنّ مقتضى القاعدة في الجميع الحمل على الحقيقي خرج مورد النص لاقتضاء المحاورة بتلك اللفظة الحمل على المتفاهم العرفي ، وفي غيره لمّا لم يكن له لفظ يحمل على ما يعدّ استعمالا لها حقيقة ، وهو أوّل الأفعال لو لم يمنع ذلك بأنّ حرمة سائر الاستعمالات إنما اُستفيد من هذا الاستعمال الخاص بإلقاء خصوصيته بحمله على المثال ، لكونه أظهر أفراد استعمال الآنية فليسلك في غيره ما سلك فيه من الحمل على المتعارف ، أو يقال باستفادة الكلّ من المطلقات ، ويحكّم فيها فهم العرف كموثّقة ابن بكير : " آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون " [1] .
[1] الوسائل 2 : 1084 ب 65 من أبواب النجاسات ، ح 4 ، وفيه : عن موسى بن بكر .