والمقصود من جميع ذلك أنّه لا ينفع جعل الأصل في النجس عموم المنع أو عموم الجواز إلاّ ما خرج ، لأنّ حرمة تلك الانتفاعات مسلّمة . نعم يبقى ما ذكره - طاب ثراه - في كتاب الطهارة من جعل الحرمة تشريعية بالبيان الذي تقدّم ، وأنت ترى أنّه لا يتمّ ما ذكره - طاب ثراه - من جعل النواهي لرفع الرخصة ، لكونها واردة في مظانّ الأمر بالأكل والشرب وما ضاهاهما ممّا ليس له أثر شرعي ، ولم يتعلّق به حكم تكليفي سوى الإباحة ليكون نهيه وارداً عقيب الأمر ، ومن الواضح البيّن إفادة النهي المتعلّق بأمثالها للحرمة ، كما أنّه من البيّن عدم تحقّق التشريع في إتيان مباح عند عدم قصد الفاعل ايجاده بتبعية الشارع ، إذ لا يعتبر في اتيان المباحات وشرعيتها قصد التبعية حتى يكون فاقده وقاصد غيرها مشرّعاً فإنّ الآكل يأكل لسدّ رمقه ورفع جوعه ، أو عطشه كالعاطش الشارب لريّ كبده واطفاء كظّ عطشه كمستعمله في إزالة وسخه . ولا ريب في دخول ذلك في عموم الأخبار ومعاقد الإجماعات ولا نهي لنا في خصوص الوضوء والغسل وإزالة الخبث ليسع لنا حمله على ما ذكره - طاب ثراه - واجماعاتهم ترى تشمل الجميع بنسق واحد ، كما سلّمه هو - طاب ثراه - في المكاسب أيضاً حيث حملها على تلك الاُمور فراراً عن شمولها لعموم الانتفاع ، فهي كالأخبار تفيد الحرمة الذاتية ، لما عرفت من عدم تعقّل الحرمة التشريعية في تلك الاُمور ، هذا . مع أنّ نفي الرخصة المستفاد من النهي مساوق للحرمة كما أنّ الرخصة المستفادة من الأمر مساوقة للإباحة ، فافهم . وبعد قبول الحرمة الذاتية فيها لا بدّ من قبولها في الوضوء ، والغسل وأمثالهما لوحدة الدليل المانع عن الكل ، فلم يبق له ما يوجب صرف تلك النواهي وتلك الاجماعات عن ظواهرها من إفادتها الحرمة الذاتية لتلك الاستعمالات وتلك الانتفاعات إلى التشريع . ومنه يظهر كون الموثّقين الواردين في الماءين المشتبهين الآمرين بإهراقهما والتيمّم على القاعدة ، لأنّ مقتضى العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة مع فعلية