وتحقيق الحقّ فيه موقوف على بيان اُمور بها يتضح المنع والجواز ، وأنّه أيّهما على وفق القاعدة . الأوّل : أنّ الإراقة في المقام تعبدي كما هو ظاهر الأمر بعد ملاحظة أنّ النجس المعلوم تفصيلا غير لازم الإراقة ، أو أنّها لحصول شرط التيمّم وهو عدم الماء ، أو أنّها كناية عن وجوب اجتنابهما وعدم جواز الانتفاع بهما . الأظهر بل المتعيّن هو الثالث بعد ما نوضّحه لك من بطلان الاحتمالين ، إذ التعبدية لا نعقلها ، لوضوح عدم وجوب إراقة النجس نفساً ، فكيف المتنجّس ؟ ! وأمّا وجوب الإراقة مقدمة لمسوغية التيمّم فأوضح فساداً من الأول ، إذ المنع الشرعي كالعقلي ، فوجود ماء ممنوع الاستعمال شرعاً بمنزلة العدم ، فلا احتياج في مسوغية التيمّم معه إلى إعدامه ، لعدم حصر أسباب تسويغ التيمّم بعدم الماء ، بل عدم التمكّن من الاستعمال أيضاً من الأسباب . الثاني : أنّ عدم جواز الانتفاع بهما هل تعبّد شرعي للموثّقين فيخصّ موردهما ، أو أنّ وجوب الاجتناب عنهما إنّما هو لكونه مقدمة لوجوب الاجتناب عن النجس الواقعي الموجود بينهما ؟ الأقوى هو الثاني ، لما بيّن في الاُصول من تنجّز التكليف بالعلم الإجمالي لحكم العقل بقبح مخالفة المعلوم إجمالا كقبح المخالفة المعلومة تفصيلا ، إذ لا يأمن المقدم على الارتكاب من الوقوع في المفسدة والعقاب ودفع الضرر المحتمل إذا كان عقاباً لازم عقلا ، لما بيّنّاه من حكمه بالتسوية في القبح الحاصل من مخالفة الشارع بين المخالفتين المعلومة تفصيلا والمعلومة إجمالا ، وبعد تنجّز الخطاب لا معنى للاكتفاء بالموافقة الاحتمالية ، لاقتضاء ما تنجّز التكليف به في المقام وجوب امتثاله وحرمة مخالفته بحكم العقل ، لما سمعته من عدم الأمن ، ولوجوب الخروج عن عهدة ذلك التكليف إجمالا ليأمن عن ترتّب مفسدة مخالفته ، وهو الوقوع في عقابه المتوقّف ذلك على الاحتراز عن طرفي الشبهة ، لفقد العلم بالأمن بدونه فيما لم يصل فيه مؤمّن من الشارع بجعل أحدهما بدلا عنه في مرحلة الظاهر ، حيث إنّ