المعتبر . وأمّا حرام اللّحم من الحيوانات الطاهرة ; فلا مانع من تعلّق المعاملة بلبنه مع الانتفاع ، لو فرض حصوله على النحو المطلوب . والأجرة لو جعلت في مقابل العمل دون اللّبن لم تضرّ حرمته على المكلّف ولا نجاسته من جعلها لغيره ، وبذلك صحّ استئجار اليهودية للإرضاع [1] . ولا بأس بالاستئجار على رضاع إنسان من إنسان ، أو حيوان من حيوان ; لأنّ اللبن في حكم التابع ، فلا يلزم تعلّق الإجارة بالأعيان * [2] .
[1] انظر النصوص الواردة في استرضاع اليهودية وغيرها من غير المسلمين في : وسائل الشيعة / كتاب النكاح / الباب ( 76 ) من أبواب أحكام الأولاد . [2] ما أثبتناه من العبارة من موضع النجمة السابقة في ص ( 27 ) إلى هذا الموضع هو ما جاء في الطائفة الأُولى من النسخ . أما الطائفة الثانية منها فقد ورد فيها بدلاً عن ذلك ما يلي : « ثم الحكم يجري فيها مع انفرادها أو مع خلطها بالطاهر والحلال ، وفي المعاملة مع المسلم ولو جاز في حقّه لمخالفته للبائع في الاجتهاد مثلاً ، أو الكافر ، محترم المال أو لا ; مستحلّاً أو لا ، لظاهر الكتاب والسنّة والإجماعات المنقولة على وجه العموم ، فما ورد من الأخبار دالاً على جواز بيع المخلوط من الميتة متروك ، أو محمول على التقيّة ، أو على تكليف الكافر بالفروع يكون في ذلك إعانة على الإثم ، ومنافاة للنهي عن المنكر . وما ورد من أمر بائع الخمر بالتصدّق بالثمن ليس بصريح في الملك ، كما سيجيء تحقيقه . وليس من المائعات سوى الماء المطلق شيء يقبل التطهير بغير استحالة أو استهلاك ، دهناً أو غيره ، لظاهر الإجماعات والأخبار . ومن ادعى إمكان تطهيرها مع بقائها على حالها بجملتها ، أو خصوص الدهن منها ; فمردود بما مرّ . ويمكن القول بالمنع من التكسب بكلّها ، أو ببعض أفرادها المنصوص على خصوصها ، وإنّ أجزنا تطهيرها ، لظاهر النصوص والإجماعات وإنْ وردت في الخصوص ، لإمكان التسرية إلى الجميع بإجماع عدم الفرق . فمن بنى بالمنع على عدم إمكان التطهير فمحجوج بما مرّ . وجواز الانتفاع مقصور على الوجه الغير المحظور ، فلا يجوز الانتفاع فيه ولو بإيصاله إلى غير المكلّف لنقص أو سهو أو جهل أو غير ذلك ، ما لم يكن مضطراً ، وإلاّ جاز إلى الجاهل من ضيف أو قريب أو صديق أو من يدخل في عيال أو أطفال ، فلا يبقى فرق بينه وبين الطاهر إلاّ في مورد نادرة . ولا بأس بدفعها إلى الحيوان ، أو تسميد الخضر والمزارع بها ، وجميع ما لا يدخل في اسم الاستعمال ، وما دخل فيه ولم يستلزم تلويثاً ولا مباشرة ; للإجماع المنقول عن جماعة ، والسيرة القاطعة . ونقله على خصوص بعض الأفراد من البعض محمول على التمثيل ، كما يلوح من مطاوي كلامهم . وأمّا المستلزم لذلك مع نجاسته قبل الاستعمال فالأقوى منعه ، ولذا صحّ إدراجه تحت ما لا ينتفع به ، هذا مع الأخيار . وأمّا حال الاضطرار فيجوز الانتفاع به في الجهة المحظورة لحفظ البدن من التلف كدفع العطش والجوع المهلكين ونحوهما ، أو التداوي لدفع المرض ، بشرط كونه ضاراً ، والطبيب حاذقاً ، والدواء في نظره منحصراً إذْ ليس غيره يداوي بغيره ، فعندها يجوز بالخمر وغيره على الأقوى . وهذه الأحكام جارية فيما لا يجوز الاكتساب به لحرمته . وجواز الانتفاع بها كيف كان لا يجوّز الاكتساب بشيء منها ( إلاّ الدهن النجس ) فإنّه يجوز الاكتساب به ( لفائدة ) خاصة فيه ، وهي ( الاستصباح به ) وإنْ لم يقصد عند المعاملة ، حتى لو قصد غيرها من منفعة سائغة على تقدير وجودها ، أو خلا عن القصد ، صحّ . مراعاة القصد أولى وأحوط . ولو قصد جهة الحرام كانت هذه المسألة من المسائل الآتية في تضاعيف الأحكام . والحق عدم جواز الانتفاع بغيره ، لا بجعله صابوناً ولا بغيره ، إلاّ ما لا يعدّ استعمالاً عرفاً كالوقود ونحوه . على أنّ الاستصباح إنّما يجوز ويجوّز الاكتساب حيث يكون ( تحت السماء خاصة ) مكشوفاً لها غير محجوب عنها بحاجز ، مشبّكاً أو لا ، مرتفعاً أو لا ، كثيفاً أو لا ، لأصالة المنع المستفاد من الأدلّة السابقة . وفي غيرها استثني من الاستصباح خاصة تحت السماء خاصة . والأقوى أنّ ما هو تحت الأشجار ونحوها لا يدخل في الجواز . وإطلاق الاستصباح في الأخبار يقيّد بالإجماعين المنقولين في الغنية والسرائر ، والرواية المرسلة في المبسوط المنجبرة بإسنادها إلى الأصحاب فيه ، وبالشهرة ، على أنّ الشهرة والعمومات مضعفة للعمل بالإطلاقات . وما في نوادر الراوندي من جواز بيعه لمن يعمله صابوناً معارض بما مرّ . وليس المنع من جهة نجاسة الدخان ، للقدح في مقدمتي البرهان . ويجب على المعطي للانتفاع على وجه الاكتساب وغيره إعلام الآخذ بالأعلام . ولو أخذه من غير يده ، أو رآه في يده ، لم يجب إعلامه ; للأصل ، والنصوص . ويجب العمل بقول المعطي ، ثقة أو لا ; متسلطاً بالأصالة أو الولاية أو الوكالة على أيّ نحو كان ، لأنّ صاحب اليد بأنواعها مصدّق في النجاسة والطهارة الثابتة بالأصالة أو بالإزالة ، بل ربما يكتفى بعمل الوكيل بعد علمه فضلاً عن الأصيل . والأقوى عدم اشتراط الإعلام في ترتب الأحكام ، وإنْ ترتب عليه الخيار مع حصول شرائطه بالتمام . ( ولو كانت نجاسة الدهن ذاتية ، كالإلية المقطوعة من الميتة أو الحيّة ، لم يجز ) نقله وانتقاله ، ولا استعماله حتى ب ( الاستصباح به ) لا تحت ظل ( ولا تحت السماء ) للعمومات الواردة في النجاسات والمتنجسات الغير القابلة لتأثير المطهرات ، والواردات في الميتات من إجماعات منقولة وروايات ، وخصوص ما دلّ على المنع من إسراج المقطوع من الحيّ فضلاً عن الميت . فلم يبق للمعارض - وإنْ صحّ سنده - أهلية للمعارضة . وبناء مولانا العلاّمة المجلسي عليه نراه غريباً بالنسبة إليه . ( ويجوز بيع الماء ) المطلق ( النجس ) من المتنجسات ] كذا [ فضلاً عن باقي الاكتسابات ( لقبوله الطهارة ) كما جاز بيع الكافر ولو كان مرتدّاً ، والعصير قبل التطهير ، ويخرج بذلك عن أدلّة المنع فيبقى على صالة الجواز ، وداخلاً في عموم ما دلّ على صحة العقود على العموم أو على أنواع خاصّة منها كذلك ، وللإجماع الظاهر من حصرهم المنع فيما لا يقبل التطهير كما لا يخفى على الناقد البصير . وجميع ما ذكر فيه عدم صحة الملك والتمليك أو يذكر إنّما يجري في حق المسلمين والكفّار الغير المستحلّين ، فيصحّ الملك والتمليك بينهم بالنسبة إلى ما جاز في مذهب كلا المتعاملين وإنْ حرم عليهم . وإن كان أحد الطرفين مسلماً ، أو كافراً غير مستحل ; لم يفد تمليكاً . وإنْ قيل بترتب الآثار وإنْ لم يكن ملك وتمليك لم يكن بعيداً . وسيجئ الكلام في حكم التوكيل . ( والأقرب في أبوال ما يؤكل لحمه ) حين خروجها ، لتخرج من قسم النجس ( التحريم للاستخباث ) المستفاد تأثيره التحريم من مفهوم آيات تعليق التحليل بالطيبات ، ومن منطوق ما دلّ على تحريم الخبائث من كتاب أو سنّة . ويبقى القول في أنّ المحرم هل هو الاستخباث الذاتي ، فيبقى حكمه بعد زواله بالمزج ، أو لا ؟ وجهان ، أقربهما الثاني . وحيث أنّه لو كانت منفعة معدّة لها كانت الشرب وهو حرام ; لم يجز الاكتساب بها ، لما سيأتي من الأدلّة على حرمة الاكتسابات المحرمة من اللحوم وغيرها . وربّما استند فيه إلى دخوله فيما لا نفع فيه عرفاً . وإنْ حصل النفع النادر لا عبرة به . وأمّا الأرواث فلا بأس بالاكتساب بها ، للأصل ، والبراءَة ، والإجماع عن المرتضى . وشموله الأبوال لا يمنع الاستدلال . ( إلاّ بول الإبل ) دون غيرها ( للاستشفاء ) دون غيره ، فإنّه يجوز الاستشفاء به ، وإنْ لم يبلغ حدّ الضرورة . وأمّا حال الضرورة فيستوي الجميع ، غير أنّه مقدم على غيره . وأمّا الاكتساب فمخصوص بأبوال الإبل للاستشفاء ولو من مسمّى الداء ، مع قصد المشتري لذلك . والأحوط قصدهما . كل ذلك مع المظنة بقول الطبيب ولو واحداً معتمداً ، أو التجربة منه أو من غيره ، مع الاقتصار على مقدار الحاجة وإنْ لم ينحصر فيه الدواء . وأمّا أبوال غيرها من الغنم وغيرها فلا يجوز الاكتساب بها وإن أجزنا الانتفاع بها مع الضرورة ، لحرمتها ، ولدخولها تحت ما لا ينتفع به نفعاً معتبراً . ( والأقرب جواز بيع ) الكلاب الأربعة ، والاكتساب بها ، لا يزاد عليها كلب الدار ، ولا يقتصر فيها على أوّلها على وجه الانحصار ( كلب الصيد ) وإنْ لم يكن سلوقيّاً - من كلاب قرية سلوق في اليمن - لإطلاق الأخبار ، وما نقل من الإجماع . وفي كلام الشيخين تقييده بذلك . وليس الأمر كذلك . ( و ) كلب ( الماشية ) من أيّ المواشي كانت ( والزرع ) ولو في غير حائط ( والحائط ) ولو بغير زرع . واجتماع الصفتين أو الصفات ادعى إلى جواز الاكتسابات . والمنع في الأوّل قول متروك . وربّما جعل لفظ الأقرب متعلقاً به أيضاً لذلك . وكيف كان فجواز الانتفاع والكسب بكلب الصيد مطلقاً مدلول الروايات ، والإجماعات . والظاهر أنّ صفة الصيدية وغيرها من الصفات المجوّزات - على القول بها - لا يشترط فيها النيّة . أمّا مع نيّة الخلاف فالمنع أقوى وإنّ تعلقت بجائز الانتفاعات ، للإجماعات ، والأخبار ، عموماً في المحرّمات والنجاسات ، وخصوصاً فيما عدا الأربعة المذكورات . واشتراط الغلبة في الانتفاعات شاهد على عدم جواز التكسب بما عداهن ، فيبقى الخلاف في الثلاثة الأخيرة ، فللمانع : ما دلّ على العموم في منع الاكتساب في النجاسات والمحرّمات ، أو الكلاب مع تخصيص الصيود بالإخراج ، ورواية المجوّزين مردودة بالإرسال ، وأصلهم مقطوع بما مرّ من ضروب الاستدلال ، ولضعف الشهرة بوقوع الاختلاف في عباراتهم - إذْ هم بين جامع ثلاثتهن ، وذاكر مع الماشية الحائط فقط على نحو المرسلة ، أو الزرع معها فقط - والاحتجاج بالديّات مردود بأنّها إنْ لم تكن ظاهرة في عدم الملك ، فليست ظاهرة فيه . وإذا جاز بيعها جاز الاكتساب بها ، والمعاملة عليه ( و ) جازت ( إجارتها ) ورهانتها ، وإعارتها ، وإهداؤها ( واقتناؤها ) وهبتها ، وتربيتها ، إلى غير ذلك ممّا يتبع ملكيتها ، للعمومات الدالة على جواز التصرف بالمملوكات من الآيات والروايات والإجماعات . ( وإنْ هلكت الماشية ) أو خرب الحائط ، أو هلك الزرع فلا يزول الحكم ، للأصل ، وبقاء الاسم . وليس ذلك من قبيل مسألة المشتق . ولو لم يجز الاقتناء ( والتربية ) ضعف الانتفاع بالصفات المذكورة . ولو ضعف عن المنفعة بكبر ، أو مرض لا يرجى زواله ، أو كسر لا يرجى انجباره ; جاءَها المنع . ولا يدخل ما عداها في ملك ، ولا حرمة لها ، فيجوز قتلها واتلافها كسائر المؤذيات . ولا يجوز الانتفاع بها - كسائر النجاسات - عدا المستثنيات . ( ويحرم اقتناء الأعيان النجسة ) والمتنجسة التي لا تقبل التطهير ( إلاّ لفائدة ) لا دليل على منعها ، أو مقيّدة بما دلّ الشرع على إباحتها فيها ( كالكلب ) لفوائده الأربعة مثلاً ( والسرجين لتربية الزرع ، والخمر للتحليل ) والعسل ونحوه لأكل النحل ، أو غير لأكل غيره من الحيوانات ، على ما يظهر من تتبع العبارات ، والروايات ، ومنقول الإجماعات . ( وكذا يحرم اقتناء المؤذيات كالسباع والحيات ) وإنّ سلمت من الإيذاء بالفعل ، لما دلّ على تحريم الانتفاع بالمحرمات وما فيها من ضروب الفساد ، مع أخبار ، وإجماعات . ( الثاني : كل ما يكون المقصود منه ) بالأصل وعند الوضع ( حراماً ، كالآلات اللهو كالعود ، وآلات القمار كالشطرنج ، وهياكل العبادة كالصنم ) والدراهم المسكوكة بغير سكّة السلطان المغشوشة غشّاً لا يرضى به المتعاملون ، وبعض التغليطات في الجواهر والأقمشة ، إلى غير ذلك ممّا جعل للتوصل به إلى المحرّم ، ويجري تلبيسه على عامّة الناس ، فإنّ الشارع أفسد الاكتساب به ، وأمر بإتلاف الصورة المحظورة ، والاكتساب بها ينافيها ، ولأنّه مسلوب المنفعة شرعاً . وكيف كان فحرمة عملها ، واستعمالها ، ونقلها ، وانتقالها ، وإجارتها ، وإعارتها ، ونحو ذلك بقصد الجهة المحظورة التي وضعت لها ; معلومة ضرورة . ومع فقد التكليف في أحد الطرفين يتعلق الحكم بالآخر . وأمّا الانتفاع بها في غير الجهة المحظورة ، واقتناؤها ، والمعاملة على مادتها دون صورتها ، فالظاهر منعها ما دامت الصورة باقية ; لإطلاق المنع في الروايات ، ومنقول الإجماعات ، وظاهر الأكثر . وليس هذا من قسم بيع الحلال والحرام معاً ، حتى يصحّ في ما يصحّ ويبطل في ما يبطل ; لأنّ تكيّف المادة بالصورة جعلها شيئاً واحداً . ولا تدخل الصورة في ملك المسلم . والأقوى دخول المادّة . وإنْ هتكت حرمتها عند الإتلاف بسبب الصورة فلا تضمن إذا توقف الإتلاف عليها . وربّما يقال مطلقاً ؟ ودخولهما معاً في ملك الكفّار المستحلّين قوي . ودفع المسلم لها إلى الكافر لأخذ ماله حرام ، للإعانة على الإثم . بل لا يبعد تحريم المال عليه ، ووجوب ردّه إلى والي المسلمين . ( وبيع ) أولياء الدين ( السلاح لأعداد الدين ) من إسلام أو مذهب أصل أو فرع ، قصد به المساعدة أو لا ، مع قيام الحرب بين الظالمين والمظلومين والمحقين والمبطلين ( وإنْ كانوا مسلمين ) وعدم العلم بأنّه لا ينتفع به في ذلك الحرب . والأقوى فساد المعاملة حيث يكون أحد الطرفين مسلماً . وأمّا معاملة الكفار المستحلين بينهم فلا يبعد صحتها ، وإنْ حرمت . ولو لم تقم الحرب لم تحرم ، إلاّ مع الشرط ، أو القصد . وسيجئ أنّه لا بأس ببيع ما لم يكن سلاحاً ، بل جنة ووقاية ، كالدرع والبيضة ونحوهما . والأقوى تحريم جميع ما يقتضي زيادة قوّتهم وشوكتهم واستقامتهم حتى المطعوم والمشروب ، مع اشتعال نار الحرب . ولو حصلت معاملة لم يتعلق بها نهي ، لجهل ، أو تقيّة ; فالظاهر فسادها . ولو انعكس الأمر - بأنْ زعم العداوة أو الحرب وليس الأمر كذلك - فالظاهر الصحة . وإنْ عصى في ذلك . ويلحق بذلك بيع المغنيّة مع ملاحظة صفة الغناء ، وبيع أواني الذهب والفضة ونحوهما ، ممّا يكون للفعل الحرام أو صفته شطر من العوض . ولا فرق بين أن تكون جهة الحرام مقوّمة لمحل المعاملة كما مرّ ، أو يكون القصد منه الحرام وإنْ لم يكن معدّاَ له . ( و ) منه ( إجارة السفن والمساكن ) أو غيرهما ( للمحرّمات ، وبيع العنب ) أو غيره ( ليعمل خمراً ، والخشب ) أو غيره ( ليعمل صنماً . ويكره ) إجارتها لمن يحمّلها ، أو يجعل فيها شيئاً من المحرمات ، و ( بيعهما ) أو غيرهما ، أي : المبيع منها ( على من يعملهما من غير شرط ) . وظاهره الاختصاص بالشرطية ، وأنّه لا مانع من النيّة ، ولا العلّية ، ولا العلوم اليقينية فضلاً عن الظنيّة . وقد يعمّم معنى الشرطية على وجه يعمّ العلّية ، كما يؤذن به قوله : للمحرمات ، ليعمل خمراً ، ليعمل صنماً . وقد يدخل فيها النيّة وإنْ بعُد عن ظاهر اللفظ . ولا كلام في تحريم القسمين الأوّلين ، لخلّوه في جانب المستأجر مثلاً عن قصد المنفعة ، لأنّ المحظورة كالمعدومة ، ولدخوله في وجوه الفساد المنهي عنها ، وللإجماع المنقول في التصريح بالعلّية وفي النيّة ظاهراً ، ولما دلّ على لزوم النهي عن المنكر الدال بظاهره أو بفحواه على تحريم ذلك ، مضافاً إلى الأخبار الصريحة في المنع عمّا اشتمل على العلّية . وأمّا ما دخل تحت العلمية اليقينية فلا بحث في تحريم ما يعلّق منها بالدماء والأعراض . ويقوى جواز الانتفاع والاكتساب فيما عدا ذلك من المحرمات ، وإنْ وجب النهي عن الغايات قبل المعاملة أو بعدها ، مع حصول شرائط النهي عن المنكر ; للأصل المستفاد من عمومات العقود وأنواعها الخاصّة ، والأخبار الكثيرة المشتملة على الصحاح وغيرها . ومع ذلك فحصول العلم واليقين في غاية الإشكال ، لأنّه لا يعلم الغيب إلاّ الله ، والعوارض لا تنضبط ، فلا يتعلق العلم غالباً إلاّ بالقصد . مع أنّ أكثر المعاملات مع الأمراء والملوك ، مع العلم بأنّ مصرفهم إنّما هو في الجنود والعساكر المساعدين لهم على باطلهم . وكذا إجارة الدور لهم ، وبيع البساتين المشتملة على العنب الكثير على مستحلّي الخمر ، فالنهي بالنسبة إليهما معاً مخصوص بالشرطية ، والعلّية ، والنيّة . وفساد المعاملة مقصور على القسم الأوّل ، وإلاّ للزم الفساد مع العلم دائماً أو غالباً ، لعدم خلّوه من النيّة العلّية من أحد الطرفين ، فيحرم بالنسبة إليه ، والفساد من قبله يقضي بالفساد من الجانبين . ثمّ لا فرق بين انفراد نيّة المحرَّم أو علّيته أو شرطيته وبين انضمامها مع غيرها من الحلال . ونيّة الوكيل المتصرّف مؤثرة في المنع . ومن كان وكيلاً على مجرّد إيقاع الصيغة لا اعتبار بقصده ، إنّما المدار على قصد موكله . ( و ) يحرم بل يفسد ( التوكيل ) من الأصيل ، أو الوكيل ( في بيع الخمر ) وأضرابها من المحرّمات ، والنجاسات ، وسائر المحظورات ، وجميع المعاملات المتعلّقة بها من مسلم أو كافر ( وإنْ كان الوكيل ) - قسميه - كافراً ( ذميّاً ) أو حربيّاً ، إذْ سلطان الوكيل تابع لسلطان موكله الموقوف على الملك ، وعدم المانع من حجر أو نحوه . ( وليس للمسلم منع الذمّي المستأجر داره ) أو سفينته ، أو دابته - مثلاً - بغير شرط ( من بيع الخمر ) في الدار ، أو وضعه ( فيها ) أو في سفينته ، أو على دابته ( سرّاً ) لا جهراً ، ولا بأس على المسلم إذا خلا عن النيّة والعلّية . ( ولو آجره لذلك ) مصرّحاً بالعلّية ، أو مع نيّتها ( حرم ) وإنْ لم يشترطه . وهو يؤذن بإلحاق العلّية بالشرطية . وتنزيل الشرطية على العموم أقرب من أخذ العلّية بمعنى الشرطية . ( ولو استأجر دابة ) أو سفينة ، أو نحوهما ( لحمل الخمر ) أو لسائر المحرّمات ، أو النجاسات ( جاز إنْ كان للتخليل أو الإراقة ) أو نحوهما من الوجوه المحلّلة ، ولم ينضم إليها جهة محرّمة ( وإلاّ حرم . ولا بأس ببيع ما يكنّ من آلة السلاح ) كالدرع ، والبيضة ، ولو على أعداء الدين ، وقد مرّ الكلام فيه مفصلاً . ( الثالث بيع ما لا ينتفع به ) شرعاً أو عقلاً أو عادة ، عامّاً في جميع الأحوال أو غالباً فيها ، لخسّته ، أو قلّته ، أو نجاسته ، أو حرمته . وقد تجتمع الجهتان أو الجهات . والمراد هنا ما يخصّ العلّتين الأُوليين ( كالحشرات ) من الهوام - وضبطه : بما لا يحتاج إلى الماء وشمّ الهواء - ( كالفأر ، والحيّات ، والخنافس ، والعقارب ) وجميع الدواب الصغار ، وما ينفصل من الإنسان من شعر أو ظهر أو بصاق ونحوها ، للأصل ، مع عدم الدخول في أدلّة المكاسب ، والإجماع المنقول عامّاً أو خاصّاً ، وعليه المدار في الحجّة . والجميع مدخول ، فلم يبق سوى الاحتجاج بعدم النفع ، لدلالة الأخبار والإجماع على اعتباره ، وهو إنّما يجري في بعض الأقسام . وفي بعض الروايات ما يعطي قصر المعاملة على ما فيه صلاح . وأمّا ما غلب نفعه ولم يقصد ، أو قصد خلافه ، أو كان نفعاً لا يسوّغ البذل عند الباذل ; فالظاهر إلحاقه ببعض الأدوية ، والعقاقير ، والعَلَق . فعلم من ذلك أنّه لا بأس بالاكتساب بما يغلب النفع به لنفسه ، كالعَلَق ، ونحوها ; لقيام السيرة ، وظهور الأدلّة في شموله . ولا ملازمة بين الملك وجواز التمليك ، ولو مجاناً . وقد يجوز المجاني فقط في بعض الأقسام . ولا مانع من الانتفاع بما قلّ نفعه ، ولم تجز المعاوضة عليه . ( و ) كذا ( السباع ممّا لا يصلح للصيد ، كالأسد ، والذئب ، والرخم ) جمع رخمة : طائر يأكل العذرة ( والحدأة ) كعنبة ( والغراب ) بأقسامه : أسوده ساكن الجبال وآكل الجيف ، وأبقعه ، وهما من السباع ، فيدخلان في المحرّم إجماعاً ، ورواية . وأما زاغه وغدافه هما ] فهما ظ [ محرّمان ، للإجماع المنقول ، وظاهر الأخبار ، وإنْ خرجا عن السباع ( وبيضها ) والمستند بعد ذلك إلى الخلوّ عن النفع ، فيدخل تحت الإجماعات والأخبار المانعة من المعارضة على ما لا نفع فيه ، وللإجماع في خصوص الأسد والنمر والذئب والمناط فيها منقّح ، ولأنّها نجسة فتدخل في النجس . والكلّ مردود ، لوجود النفع الغالب بجلودها ووبرها وغير ذلك ، والبيع لأجل الجلد غير بيع الجلد . والإجماع مردود فيما كانت الشهرة على خلافه . والتحريم إنّما يمنع حيث يعمّ الوجوه . والقول بالنجاسة ضعيف ، والإجماع والأخبار المتواترة تردّه . وعمومات المعاملات في الكتاب والسنة ، والإجماع والنصوص الدالة بالخصوص على جواز استعمال جلود السباع مطلقاً ، أو جلود النمر المدبوغة ، وعلى جواز بيع الفراء والجلود من السباع ، وظهور نقل الإجماع في التذكرة ، ودلالة الأخبار على جواز بيع الهرّة ; شاهدة على جواز الانتفاع والاكتساب بها ، فظهر أنّ مجرّد السبعية ، أو مع عدم الصيدية ; ليس لها مدخلية . ( والمسوخ ) وصورها ، أو صورها فقط بناءً على عدم بقائها أكثر من ثلاثة أيام وعدم توالدها - واعتبار الجميع مسوخاً خلاف البديهة ، لسبق أنواعها بكلّها أو جلّها على المسخ ، وبقاء مواليدها - سباعاً أو لا ، نجسة العين أو لا ، إذْ قد تجتمع جهتان أو جهات محرمات ( برّية ) كانت ( كالقرد وإنْ قصد به حفظ المتاع ، والدبّ ) والخنزير والكلب البرّيان أو مطلقاً ، والفيل ، والذئب ، والفأرة ، والضبّ ، والأرنب ، والطاوس ، والوطواط وهو الخطاف أو الخفاش ، والنقعاء - ولعلّ المراد بها العنقاء ، وهي طائر عظيم معروف الاسم مجهول الجسم لا يراه أحد . وقيل : إنّه طير أبابيل . وقيل : طائر غريب يبيض بيضاً كالجبال ، وسمّيت بذلك لأنّ في عنقها بياضاً كالطوق . وقيل : طائر عند مغرب الشمس ، ولذا قيل عنقاء مغرب - والثعلب ، واليربوع ، والقنفذ ، والطافي - وهو قسم من الحيّات - قيل : والنعامة . وليس كذلك ، لإلحاقهم لها في كتاب الحج بالصيد المحلل وبيضها ببيضه ، وقضاء السيرة بأكله ( أو بحريّة كالجرّي ) وهو الجريث أو نوع آخر ( والسلاحف ) والضفادع ( والتمساح ) والدعموص ، وهو : دويبة سوداء ، تغوص في الماء ، وتكون في الغدران ، والسرطان ، وهو : عقرب الماء ، له ثمانية أرجل ، وعيناه في كتفه وصدره ، يمشي على جانب واحد ، يقول : استغفروا الله يا مذنبون . وأُلْحِقَ بالمسوخ العقرب ، والزنبور ، والوزغ ، والدبا ، والمهرجل - نوعان من الجراد - وسهيل ، وزهرة - دابّتان - والعنكبوت ، والوَبْر ، والورل ، والزمّير ، والمارماهي ، والبعوض ، والقمّل ، وهو ما نقل بخصوصه بطريق أو غير معتبر ] كذا [ وعن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « إنّ الله مسخ سبعماءَة أُمّة فأخذ أربعمائَة برّاً وثلاثمائَة بحراً » ولا خلاف في جواز بيع بعض أقسام الكلاب منها ، ولا شكّ في جواز الانتفاع بعظام الفيل المسمّاة بالعاج ، ولا بجلود الثعالب والأرانب مع التذكية ، بشرط الدباغ أو مطلقاً على الأصحّ . والأخبار دالة على ذلك أيضاً . وفيما ذكر مع الأصل أبين شاهد على طهارتها فيما عدا المستثنى ، ووقوع التذكية عليها في الجملة . والسيرة القاطعة ، والإجماع المحصّل ; شاهدان على جواز بيع جلودها منفصلة ، والتكسب بها ، فتجوز المعاوضة عليها بطريق الصلح متصلة ، وبيعها لا يزيد على ذلك إلاّ باختلاف القصد ، ولا مدار عليه بحسب الظاهر ، والتكسب بها في الجملة ، فما في الخلاف وظاهر الغنية من الإجماع على عدم جواز بيع شيء منها ، وما في المبسوط وأطعمة الخلاف من الحكم بنجاستها بجملتها ، وما في خصوص المبسوط من نقل الإجماع على عدم جواز بيعها وإجارتها والانتفاع بها واقتنائها ; إنْ لم يُأوَّل لم يكن عليه معوّل . وكيف يتصوّر القول بنجاسة ما قام الإجماع على جواز استعمال جلودها ، مع أنّه يلزم منه استعمال جلود الميتة ، وبنجاسة غير ذوات النفوس منها من البرّي والبحري ، مع أنّا نحكم بطهارة ميتتها ودمها وبولها وروثها ، فالحق الحقيق بالاتباع أنّ المدار في غير النجس منها على الانتفاع المتعبر وعدمه ، وأنّه لا مانع من جهة نفسه ، فالمسخ من حيث هو مسخ في المعاملة عليه كغيره ، إنّما المانع النجاسة في بعض ، وعدم الانتفاع في آخر . ( ولو قيل بجواز بيع ) المسوخ و ( السباع أجمع لفائدة الانتفاع بذكاتها إن كانت من ) قسم ( ما تقع عليها الذكاة ) كالثعلب والأرنب ، دون ما لا تقع عليها كبعض الحشار ونجس العين لخلوّها عن النفع الغالب ( كان حسناً ) بل هو المذهب ، وعليه المعوّل . ( ويجوز بيع الفيل ، والهرّة ، وما يصلح للصيد ) من السباع ( كالفهد ) لما مرّ ، ولحصول الفائدة به ( و ) يجوز ( بيع دود القزّ ، والنحل ) وإنْ لم يكن معهما قزّ وعسل ، مع بقاء قابليتهما لترتب النفع المراد عليهما . وكل ذلك ( مع المشاهدة ) الرافعة للجهالة المانعة من البيع . وفي صورة المعاوضات الأُخر يعتبر فيها ما سيذكر في محالّها إنْ شاء الله ( و ) يشترط ( إمكان التسليم ) أيضاً ، وإلاّ لغت المعاملة وارتفعت الفائدة ، فيدخل تحت ما لا ينتفع به . ( وبيع الماء ) من الراكد والنابع ، الواقف والجاري ، منفرداً ومع مجراه . وتكفي الرؤية في جميع أقسامه على جميع أقسام المعاملات . ( و ) كذا ( التراب ) مع الوزن فيما يوزن ، أو الجزاف فيما يباع جزافاً ( والحجارة ) كذلك في جميع أفرادها ، مع حصول الفائدة وقصدها ، فإنّه قد تحصل الفائدة فيها ( وإنْ كثر وجودها ) والحاصل أنّه لا مانع من جهة ذاتها . نعم لو خليا عن النفع بطل الاكتساب بهما . ( ويحرم بيع الترياق ) مرادف الدرياق الفاروق ( لاشتماله على ) نجسين ( الخمر ، ولحوم الأفاعي ) على قول ، أو نجس ومحرّم لا ينتفع به ، لأنّه من الحشار ، وكذا جميع الاكتسابات . والظاهر جواز الانتفاع به في غير الجهة الحرام ، وفيها مع الاضطرار ، واقتناؤه لذلك وبذل شيء من المال في استخلاصه . ( ولا يجوز شربه للتداوي ) كسائر المشروبات من المحرّمات ( إلاّ مع خوف التلف ) وحصول الشرائط المذكورة آنفاً في التداوي بالمحرمات . ( أما السمّ من الحشائش ) وهي النباتات اليابسة التي لا ساق لها ( والنبات ) العام لما له ساق والمعادن ; فلا تدخل في شيء من موانع الاكتساب إلاّ من جهة الانتفاع وعدمه ( فيجوز بيعه ) والاكتساب به ( إنْ كان ممّا ينتفع به ، وإلاّ فلا ) وأمّا ما كان من الحيوان فتابع له في الحكم جوازاً ومنعاً . ( وفي جواز بيع ) المنفصل من ( لبن الآدميات ) المسلمات - حرائر وإماء - ومطلق المعاوضة عليه مع انفصاله ، أو بقائه في الثدي حيث تكون المعاملة عليه لا على الرضاع - وأمّا على الرضاع فلا بأس به حتى في الكافرة حيث يجوز الرضاع - ( نظر ، أقربه الجواز ) لطهارته ، وإمكان الانتفاع به نفعاً مقصوداً للعقلاء ، سواء أبحناه مطلقاً أو لخصوص الأطفال . والحرّ يملك فوائده كما يملك منافعه . وإلحاقه بالفضلات من البصاق ، والمخاط ، والعرق ، ونحوها ; لا وجه له . ويقصر المنع على البيع فيما بقي في الثدي لجهالته ، مع إمكان عدمه في بعض المدّة إذا طالت . ولا بأس بإيقاع عقد الصلح عليه كغيره من لبن الحيوانات . ولا بأس بالاستئجار على رضاع إنسان من إنسان أو حيوان ، أو حيوان من مثله ، لأنّ اللبن في حكم التابع . ولبن المأكول اللحم من المعتاد ومن غيره سواء في الجواز . ونقل الإجماع على جواز بيع لبن الأُتن » .