حرمة أجر النائح والنائحة بالباطل الإمامية على مرّ الأعصار متلقّين له بالقبول دون الإنكار . ولكن قد وجدنا بعض التصرّفات من المتخذين لقراءة التعزية من طرق الاكتساب ; ألحاناً كألحان المغنّين والمغنّيات ، وعند التحقيق وإمعان النظر الدقيق يعلم أنّ النائح والنائحة لو مدّا صوتيهما تمام المدّ ، وتجاوزا في الترجيع ما فات عن الحدّ ، ولم يخرجا عن صفة النياحة المعروفة ; لم يوصفا بصفة الغناء الموصوفة . فقد اتضح أنّ النياحة يجوز أخذ الأُجرة عليها كسائر المباحات والمكروهات . وإنّما تحرم حيث يكون النْوح ( بالباطل ) إمّا بأنْ تذكر صفات كاذبة ليست في الميت ، أو تذكر الصفات التي لا يسوغ ذكرها ، كأنْ تصفه بما يرفعه في دنياه ويضعه في أُخراه ، أو تقضي برفعته وضعة غيره ، أو تأتي بالنوح غير السائغ لسماع الأجانب لو حرّمناه ، ونهي مفترض الطاعة ، أو لكونه على الكفّار ونحوهم . وأمّا الباطل بمعنى الهذر ; فالظاهر عدم المنع فيه . وعلى كلّ حال فالمدار على المنع الشرعي ، حتى تكون الأُجرة أُجرةً على الحرام . والظاهر عدم الفرق بين الإعطاء بعد المقاطعة وبدونها ، وبين الدفع مع قصدها التبرّع وبدونه ، لأنّ الظاهر من الأدلّة أنّ جميع ما يتولّد من الحرام حرام ، نعم لو أعطاها لا لأجل نوحها فلا بأس . ولو خلطت بين الحقّ والباطل حرمت أيضاً . ولو خلطته بصوت الغناء حرمت أُجرتها أيضاً ، لظاهر الأخبار [1] ولعدم الانفكاك عن خليط الحقّ غالباً .
[1] الدالّة على حرمة الغناء ممّا تقدمت الإشارة إلى بعضها في الهامش ( 2 ) من ص ( 83 ) .