نام کتاب : شرح العروة الوثقى نویسنده : الشيخ مرتضى الحائري جلد : 1 صفحه : 105
( 1 ) في صدر رواية ابن أبي يعفور وجوه واحتمالات : من احتمال كونه بصدد تعريف مفهوم العدالة لا غير ، وكونه بصدد بيان المعرّف لها والطريق الشرعيّ إليها ، أو كونه في مقام بيان الأمرين من شرح المفهوم وبيان الطريق الشرعيّ . إلاّ أنّ الأوّلين خلاف الظاهر : أمّا الأوّل منهما فلأنّه مبنيّ على رجوع الجملات الثلاثة إلى معنىً واحد ، وهو أن تكون العدالة عبارةً عن معرفة اجتناب الكبائر بدلالة ظاهريّة ومعرفة ظاهر حال الرجل ، فيكون واقع العدالة وحقيقتها ثبوت الدلالة ولو في الظاهر ، ومقتضى ذلك أن تكون المعرفة في الموردين والدلالة في الثالث مأخوذتين بنحو الموضوعيّة ، وهو خلاف الظاهر جدّاً ; مضافاً إلى أنّ تحقّقها بهذا المعنى للرجل نفسه يحتاج إلى تكلّف وتأويل ، فتأمّل . وأمّا الثاني منهما فلا يخلو إمّا أن يكون في مقام بيان كون حسن الظاهر طريقاً فيكون المقصود من الصدر إلى الذيل جعلَ حسن الظاهر أمارةً شرعيّةً على العدالة ، بأن يكون المقصود من قوله عليه السلام : « أن تعرفوه بالستر » وقوله عليه السلام : « ويعرف باجتناب الكبائر » هو المعرفة بحسب الظاهر ، وكان قوله عليه السلام : « والدلالة على ذلك كلّه » بياناً للمقصود من المعرفة المذكورة في الصدر وتوضيحاً لها وكان تفصيلَ متعلّق المعرفة في الصدر من باب الإشارة إلى ما إليه الطريق ، لا بيان مفهومه وتوضيح حقيقته أصالةً بأن يكون الغرض متعلّقاً بشرح ذي الطريق مستقلاًّ وأصالةً . ولا ريب أنّ ذلك خلاف الظاهر ، فإنّ كون الصدر بصدد بيان المعرّف الشرعيّ متوقّف على أن يكون المقصود من الستر والعفاف وغيره فيه تحقّق تلك الأمور في الظاهر ، وهو مع كونه خلاف الإطلاق لا يناسب قوله عليه السلام : « والدلالة على ذلك كلّه . . . » ، للزوم اتّحاد الدالّ والمدلول عليه . وصِرف كون المقصود من المعرفة في الصدر هو الظاهريّة منها أو الأعمّ لا يقتضي كونه بصدد بيان ما هو الأمارة الشرعيّة ; مضافاً إلى أنّ الاهتمام في الصدر بما إليه الطريق دليل على كونه في مقام بيانه أيضاً . وإمّا أن يكون قوله عليه السلام : « أن تعرفوه بالستر والعفاف » معرّفاً شرعيّاً للعدالة ، وقوله عليه السلام : « ويعرف باجتناب الكبائر » معرّفاً له وجملة « والدلالة على ذلك كلّه » معرّفاً للأخير وأمارةً عليه ; أو يكون المجموع من قوله الأوّل والثاني أي « ويعرف باجتناب الكبائر » شيئاً واحداً ويكون أمارةً على العدالة ، أو يكون الأوّل والثاني من القولين بصدد بيان ما هو الأمارة على أصل العدالة والثالث بصدد بيان ما هو الأمارة على الأمرين أو على خصوص الثاني ; أو يقال إنّ مجموع القولين أمارة عليها والثالث أمارة أخرى عليهما ; أو غير ذلك . ولا ريب أنّ جميع ذلك خلاف الظاهر ، لوجوه يوضح مجموعها المقصود : منها : أنّ كون مفهوم العدالة أمراً وراء ما ذكر فيها من الستر والعفاف وكفّ البطن والفرج واليد واللسان وغير ذلك ، إمّا بفرض كونه الملكة وكون الأمور المذكورة نفس العمل الجارحيّ ، وإمّا بادّعاء كونه الملكة المتحقّقة في النفس خوفاً من الله تعالى وشوقاً إلى رحمته ورضوانه ، وما ذكر فيها هو صِرف وجود الملكة من غير اعتبار العلم بكونه حاصلةً خوفاً منه تعالى وشوقاً إلى رحمته ; وإمّا من باب كون مجموع قوله عليه السلام : « أن تعرفوه بالستر . . . » وقوله الثاني : « ويعرف . . . » الّذي هو عبارة عن ملكة التحرّز عن الكبائر أو صِرفِ التحرّز عنها بعد تخصيص الصدر بالذيل أو تعميم الصدر به أمارةً على الملكة الموجبة للتحرّز عن جميع المعاصي صغيرها وكبيرها . وكلّ ذلك غير صحيح : أمّا الأوّل فلأنّ الألفاظ المذكورة في الرواية ظاهرة في الملكة أيضاً ، فإنّ المسجون الّذي يترك المعاصي من باب عدم القدرة مع العزم عليها إذا أطلق لا يكون في العرف موصوفاً بالستر والعفاف قطعاً ; مضافاً إلى أنّ مثل الاجتناب عن الكبائر لايراد به قطعاً الاجتناب الدائميّ ولا الاجتناب حين ترتيب أثر العدالة ولا الاجتناب عنها من أوّل العمر إلى هذا الحين ، فليس ما يمكن أن يكون مراداً إلاّ وجود ملكة ذلك . وأمّا الثاني فلعدم الدليل على لزوم كون صفة العدالة تعبّديّة بل هي تابعة للعمل ، فلا بد أن تكون في النفس ملكةُ إتيان الصلاة بقصد القربة والإخلاص وملكةُ ترك شرب الخمر ولو لم تكن بالقصد المذكور . وأمّا الثالث ( مضافاً إلى عدم غلبة كشف الاجتناب عن الكبائر عن الاجتناب عن الصغائر أيضاً ، فإنّ المجتنب عن الكبائر كثير والمجتنب عن جميع المعاصي قليل ، وحينئذ لا يصحّ جعله أمارةً عليه ; ومضافاً إلى أنّ مقتضى ذلك تقييده بما لا يعلم منه صدور الصغيرة ) فلأنّ تخصيصَ الجملة الأولى المطلقة بالجملة الثانية وجعلَ المجموع أمارةً على ملكة الاجتناب عن جميع المعاصي مع إمكان كون الجملة الأولى المطلقة ملكةَ العدالة والثانية معرّفاً وأمارةً عليها من قبيل الأكل من القفا . فملخّص هذا الوجه عدم استقامة المصير إلى كون مفهوم العدالة أمراً وراء المذكور في صدر الرواية ، لعدم تصوير مفهوم آخر صالح لأن يكون معناها غير المذكور فيه . ومنها : أنّه ( عليه السلام ) لو كان بصدد بيان الأمارة الشرعيّة لترتيب أثر العدالة لكفى ذكر حسن الظاهر ، إذ العثور على السيّئ الظاهر من المجتنب على الكبائر إمّا ممتنع إن كان التجاهر بالمعصية - ولو كانت صغيرةً - كبيرةً ، وإمّا نادر جدّاً ، فإنّ المجتنب عن الكبائر حسن الظاهر أيضاً بحسب الغالب الّذي خلافه من النوادر الملحقة بالمعدوم . ومنها : أنّ جميع محتملات الثاني إلاّ الأوّل من المعاني الّتي هي بعيدة عن أذهان العامّة ومناسبةٌ لأهل البحث والتدقيق . ومنها : أنّ مقتضى إطلاق الجملتين الأوليين أنّه بمعرفته تعرف العدالة ، وهذا لا ينطبق إلاّ على المعرّف الحقيقيّ أو اللازم المساوي لمفهومها ، وحيث إنّه ليس في البين إلاّ وجهان فتعيّن حمله على المعرّف الحقيقيّ ، وذلك لوضوح أنّ مقتضى كونهما أمارةً على العدالة الواقعيّة الّتي قد عرفت محتملاتها عدمُ الحكم بعدالة الرجل لو علم التخلّف عن الواقع . ومنها : أنّ ما يساعد عليه الاعتبار أنّ ابن أبي يعفور لم يكن عالماً بمفهوم العدالة بنحو التفصيل بحيث يكون عارفاً بجميع حدوده . نعم ، الظاهر أنّه كان يعرف مفهومها بنحو الإجمال ، فالمظنون أنّ المقصود من السؤال الإحاطة بمفهوم العدالة حتّى يعرف مصاديقه في الخارج ، أو الأعمّ منه ومن الاطّلاع على ما هو الأمارة الشرعيّة عليه وإن كان الثاني بعيداً بملاحظة أنّ الغالب في الموضوعات الّتي تكون مورد ابتلاء العقلاء أنّ عدم التمكّن من معرفة المصداق من باب الجهل بحدود المفهوم ، ومع الإحاطة بحدوده يكون الطريق العقلائيّ هو الاطمينان الّذي هو علمٌ عرفاً ، فلا يحتاج الطريق إلى الموضوع المعلوم حدوده مفهوماً إلى السئوال ، كما في سائر الموضوعات العرفيّة الّتي هي شبيهة بالعدالة ، كالسخاوة والشجاعة والعلم والصناعة وغيرها ، فالمظنون أنّ السؤال ليس إلاّ لأن يعلم حدود مفهوم العدالة حتّى لا يقع في الخلط والاشتباه . وممّا ذكرنا يظهر أنّ ظهور كون السئوال عن الأمارة الشرعيّة من جهة قوله : « بم تعرف عدالة الرجل » ممنوع ، فإنّه لو كان المفهوم معلوماً للسائل بنحو الإجمال وكان السئوال لتشخيص المصداق الخارجيّ يصحّ السئوال باللفظ المذكور عرفاً .
105
نام کتاب : شرح العروة الوثقى نویسنده : الشيخ مرتضى الحائري جلد : 1 صفحه : 105