نام کتاب : رسائل الشهيد الثاني ( ط.ج ) نویسنده : الشهيد الثاني جلد : 1 صفحه : 55
الطوسي إلى زمانه ، ليكون تكمِلةً لفهرست الشيخ ، جَمَعَ فيه ما يَزِيد على خمسمائة فقيهٍ في أقلَّ مِن عصرينِ ، وأكثرُهُم أصحابُ مصنّفاتٍ عِظامٍ وعلماءُ أجِلةِ أعلام . ومَن تَأمّلَ زمانَهم ووَقَفَ على سِيرهم يَعْلَمُ أنّ توفيقهم ما كان أكثرَ مِن توفيقِ أهل زماننا . وإنّما أوجَبَ التخلَّفَ عنهم قصورُ الهمّة وعدمُ الدِّيانة ، وأوجَبَ هذه البلوى قِلَّةُ التقوى . فكيف لا تَتَوجّهُ المؤاخَذَةُ ، ونَسْتَحِقّ نزولَ البليّة ، ونَسْتَوجِبُ بُطلانَ العِبادة ؟ إنْ لم يَتَدارَكْنا اللهُ سبحانَه بفضله ورحمته وجُودِه وكرمه . وأعْظَمُ مِن هذا مِحْنَةً ، وأكبرُ مصيبةً ، وأوجَبُ على مرتكِبِه إثماً ، ما يتداوَلُه كثير من المُتّسِمينَ بالعلمِ من أهلِ بلادِ العجم ، وما ناسَبَها من غيرهم في هذا الزمان حيث يصرِفُون عمرَهُم ويَقْضون دهرَهُم على تحصيل علوم الحكمة ، كعلمِ المنطقِ والفلسفة وغيرهما ، ممّا يَحْرُمُ لذاتِهِ أو لمنافاتِه للواجب ، على وجهٍ لو صَرَفوا جزءاً منه على تحصيلِ العلمِ الديني الذي يَسألُهُمُ اللهُ تعالى عنه يومَ القيامةِ سؤالًا حثيثاً ، ويُناقِشُهُم على التفريط فيه نِقاشاً عظيماً لحَصّلوا ما يجِبُ عليهم من علمِ الدين . ثمّ هم مع ذلك : « يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً » [1] ، بل يَزْعُمونَ أنّ ما هم فيه أعظمُ فضيلةً وأتَمّ نفعاً . وذلك عينُ الخِذلانِ من الله سبحانه والبُعدِ عنه . بل الانسلاخُ من الدين رأساً أنْ يُحْيِيَ من يَزْعُمُ أنّه مِن أتْباع سيّد المرسلين محمّدٍ وآله الطاهرين دينَ أرسطو ومَنْ شاكَلَه من الحكماء ، ويُهْمِلَ الدينَ الذي دانَ اللهُ به أهلَ الأرضِ والسماء . نعوذ بالله من هذه الغَفلةِ ونَسألُه العفوَ والرحمةَ .