أحاديث هذا الباب ، وبين ما مرّ في باب النيّة عن الصادق عليه السلام قال « إنما خُلِّد أهل النار في النار لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خُلِّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً ، وإنما خلِّد أهل الجنّة في الجنّة لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً ، فبالنيّات خلَّد هؤلاء وهؤلاء » . ثمّ تلا قوله تعالى * ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِه ) * [1] . قال « على نيَّته [2] » . فإنه دلّ أحدهما على المؤاخذة بالنيّة ، ودلّ الآخر على عدم المؤاخذة بها ) [3] . أقول : وجه الجمع لا يخفى على مَن أحاط علماً بما أسلفناه ، وهو أن الحديث الدالّ على المؤاخذة بالنيّة والخلود بها محمول على النيّة المستقرّة الدائمة ، بحيث إنه ناوٍ أبداً أنه متى تمكَّن من فعل المنويّ وزال المانع القهريّ من فعلها ، فعلها أبداً . وهي من النيّات الكلَّيّة التي هي من أعمال القلب ولوازمه ، ومنويّها كلَّيّ لا يفارقها ، وهو الصورة القائمة بالنفس التي تظهر النفس بصورتها . وهذا الخبر وشبهه ممّا دلّ على عدم المؤاخذة بالنيّة إذا لم يفعل المنويّ محمول على الترك الاختياريّ وإن لم يكن عن ندم ، وهو النيّة الجزئيّة للمنويّ الجزئيّ ، فإنه حينئذٍ لا يتحقّق معه بقاء النيّة ولا يحكم عليه حينئذ أنه ناوٍ إلَّا مجازاً كما هو الحقّ ، فلا اختلاف بين الأخبار . والدليل على هذا الجمع أنه مقتضى العدل والرحمة ، فأدلَّة العدل تقتضيه . ثمّ قال رحمه الله : ( فقلت له : لا منافاة بينهما ؛ إذ دَلّ أحدهما على عدم المؤاخذة بنيّة المعصية إذا لم يفعلها ، ودلّ الآخر على المؤاخذة بنيّة المعصية إذا فعلها ، فإن المنويّ كالكفر واستقراره مثلًا موجود في الخارج ، فهذه النيّة ليست داخلة في النيّة بالسيّئة التي لم يعملها ) [4] . أقول : أمّا أنه لا يُؤاخذ بنيّة المعصية إلَّا إذا فعلها ، فهو بإطلاقه ممنوع ؛ لما مرّ وخصوصاً خبر التخليد بالنيّات ، فإنه نصّ في أنهم مؤاخذون بنيّاتهم ، بل مخلَّدون
[1] الإسراء : 84 . [2] راجع 174 هامش 3 . [3] شرح أُصول الكافي 10 : 146 . [4] المصدر نفسه .