في الأُمم السابقة أيضاً ) [1] . أقول : هذه العبارة من المتشابه لفظاً ومعنًى : أمّا اللفظ ، فإنه لم يفصح عن الموافق لها : هل هو الطاعة أو المعصية ؟ وكلّ منهما قابل للأمرين ، فإن النفس إن كانت مطمئنّة فالذي يوافقها ذاتاً وصفة وهيئة ، ولوناً ورائحة وطعماً ، وطبعاً ونوعاً وصنفاً هو الطاعة ، والمعصية تخالفها في ذلك كلَّه . وإن كانت أمارة فعلى العكس في ذلك كلَّه . وهو رحمه الله قد أجمل ذكر النفس . وأيضاً فقوله : ( أو إلَّا تفعل ) على العكس من ذلك في كلّ منهما ، فالترك لما يوافق المطمئنّة معصية ، ولما يوافق الأمّارة طاعة . وكلامه كلَّه مجمل متشابه غير مبيّن . وأيضاً فقوله : ( فإن كان ذلك ) ، الإشارة محتملة للموافق فعلًا وتركاً وللمخالف كذلك ، فالعبارة متشابهة مجملة . وأمّا المعنى ، فإنه إن كان هذا الهمّ المفسّر بحديث النفس ( أن تفعل ) أو ( لا تفعل ) اختياراً ليس معه نيّة ، فلا نعقل الفرق بينه وبين الأوّل ، والأوّل لا ثواب فيه ولا عقاب ، وإلَّا لزم التكليف بالمحال ؛ لأنه لا عن اختيار كما هو الظاهر من عبارته . وإن كانت النيّة متحقّقة معه ، فلا نعقل الفرق بينه وبين الثالث ، مع أنه ادّعى الإجماع بظاهر عبارته على أنه يُثاب حينئذٍ على الهمّ كذلك بالطاعة ، وعدم العقاب على الهمّ كذلك بالمعصية ما لم يفعلها ، بل ظاهر عبارته أنه لا يُعاقب على ذلك الهمّ أصلًا . نعم ، إن عمل ما همّ به كذلك من المعصية كتبت عليه تلك المعصية دون الهمّ بها ، وهذا كلَّه بإطلاقه ممنوع لما عرفت . ثم إنه بظاهره حمل أخبار الباب على هذا . وحَملُ الخبر المذكور على هذا من غير أن يتحقّق معه نيّة ممنوع ؛ لما عرفت ، ولظهور منافاة العدل في إثابته على ما لم يعمل ولم ينوِ . ومع تحقّق النيّة معه نمنع إطلاق القول بعدم العقاب على ما نوى ، بل فيه ما مرّ من التفصيل . وإن أراد بهذا القسم مبادئ النيّة وأوّل ظهورها في النفس ، بأن تكون حينئذٍ