والصبيّ إن لم يكن له بصيرة بالعقائد الدينية فواضح عدم تحقّق هذا المعنى فيه ، إذ هو من أوّل الوهلة عند أوان البلوغ يختار الكفر على الإسلام ، وليس هذا ارتدادا عن الدين إذ لم يكن له في السابق دين ، وإن كان محكوما بأحكام الإسلام .
وأمّا لو كان له في حال صباوته بصيرة وعقيدة بتلك العقائد ، ثمّ بلغ كافرا ، فيبني الكلام على اعتبار إسلام الصبيّ شرعا أو هو كلا إسلام ، فعلى الثاني أيضا واضح عدم تحقّق الارتداد ، وأمّا على الأوّل كما هو الحقّ - كما حقّق في محلَّه من صحّة عبادات الصبيّ وشرعيّتها - فلا شبهة حينئذ أيضا في تحقّق الارتداد ، لو حصل له الكفر عند البلوغ أو بعده ، وأمّا لو حدث له الكفر والارتداد أيضا قبل البلوغ ، فيشكل إجراء الأحكام الثلاثة عليه قبل البلوغ وبعده ، بقي على الارتداد إلى حين البلوغ أو بلغ مسلما ، فإنّه من البعيد أن يكون الأحكام الثلاثة وضعيّة صرفة مثل الضمان ، حتّى يحكم بترتّبها قبل البلوغ أيضا ، وإنّما هي عقوبة دنيويّة ، وحينئذ فيشمله حديث رفع القلم ، إذ هو كما يشمل العقوبة الأخرويّة يشمل الدنيويّة ، ولهذا لا يحكم بثبوت الحدّ لو فعل الصبيّ موجبه ، وهذا واضح . ولكن هل يجري عليه حينئذ هذه الأحكام بعد البلوغ ، فيه إشكال .
ولا يتوهّم أنّ الجريان بعد البلوغ قضية مفهوم الغاية في قوله عليه السلام : ( رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم ) [114] وذلك أنّه لم يعمل بهذا المفهوم . ألا ترى أنّ الحدّ لما عمله في حال الصغر لا يجري عليه بعد البلوغ ، وليس حال هذا مثل الجنابة المتحقّقة حال الصغر ، إذ هذا العنوان بعينه متحقّق بعد البلوغ ، فيؤثّر أثره من وجوب الغسل ، وهذا بخلاف المقام ، فإنّ

[114] الوسائل 1 / 32 .

117